فلما بلغ ذلك مسامع السلطان محمود خان - عليه سحائب الرضوان - مال إلى المسالمة، فراسل محمد على باشا فى ذلك، فرضى على شرط أن ما استولى عليه يكون تحت إمرته، فتوقّف السلطان فى قبول هذا الشرط، واستعان بدولة أوربا بعد امتناعه من قبول وساطتهم، وبدأ بمكاتبة الروسيا، فبادرت إليه بارسال فرقتين، وأمرت قنصلها بمبارحة مصر، وكانت غاية ما تتمناه التداخل فى مصالح الشرق، فتعرضت دولة فرنسا لمعاكستها، فحصل الخلف، فرجع السلطان لحل مشكلته بنفسه، وجهز جيشا جرارا تحت قيادة الصدر الأعظم محمد رشيد باشا، فقام لمقاتلة جيوش مصر، وكانوا وصلوا إلى قونيا، وتحصّنوا هناك.
فلما التقى الجمعان، انهزم جيش محمد رشيد باشا، وأسر هو، واستولى إبراهيم باشا على عشرين مدفعا، وكثير من المهمات العسكرية والأزواد.
[[معاهدة كوتاهية]]
وشاع خبر هذه الواقعة فى الأقطار، ففتحت البلاد الشامية أبوابها، فرجع السلطان إلى وساطة الدول، فسعت دولة فرنسا بينهما، فصمم الباشا على ما طلبه أولا، وأن يكون الملك فى عقبه، وأن ما صرفه فى الحرب يحسب له، مما هو مقرر عليه دفعه للسلطنة سنويا، وصمم السلطان على عدم القبول. فأصدر الباشا أمره لولده بأن يسير إلى كوتاهية، فسار إليها، وأرسلت دولة الروسيا أسطولها إلى البحر الأسود وعشرين ألف مقاتل تكون تحت تصرف السلطان.
فمذ بلغ سفير فرنسا بالآستانة - وهو الأميرال روسيان الذى كان حضر إليها قريبا بدلا عن السفير الأول - مجئ الأسطول المسقوبى، ورأى أن ذلك مضر بالمصالح العمومية، أنهى إلى السلطان أن الأسطول الروسى إن بارح مكانه الذى هو فيه - وكان قد وصل إلى جناق قلعة - سافر هو فى الحال، وكان ذلك قطعا للعلائق بين دولته ودولة السلطان، فأصدر أمره إلى الأسطول أن يكون مكانه، وكان ذلك جلّ مرغوب السلطان، لأنه كان لا يحب تداخل الروسيا.
وحينئذ سعت الدول فى الصلح، وكثرت المراسلات، حتى تم فى رابع عشر شهر مارس سنة ٣٣ ميلادية، وكتبت المعاهدة المعروفة «بمعاهدة كوتاهية» متضمنة أن ولايتى مصر والشام تكون لمحمد على، وعدن والحرمين لابنه إبراهيم باشا، فاجتمع لمحمد على باشا فى هذه السنة ولاية مصر والشام والسودان والحجاز وجزيرة كريد، فتوجه بنفسه إليها ونظر فى أحوالها، ورتّب فيها ما رتب بمصر، وأخذ يكتب العسكرية على الطريقة المستجدة،