الإنكليز من العداوة إذ ذاك، وأرسل بانوبارتو الخازندار وحسن باشا الأرنؤودى واسماعيل كاشف لتحصيل المال من البلاد، ووزع مصروفات ما يصنع بالقاهرة من طوابى وخنادق على أهلها، واهتم بجمع العساكر والنظر فيما يلزمهم.
فبينما هو كذلك، إذ حضر البشير بهروب الإنكليز من رشيد، وقتل الكثير منهم، وأن العسكر قد أسر منهم خلقا كثيرا، ففرح الباشا والناس، ودقت الطبول، وزينت البلد، وبعد قليل حضر الأسارى، فأدخلوهم البلد، وكان لدخولهم يوم مشهود، وأمر الباشا بمعاملتهم بالحسنى، ورتب لهم ما يكفيهم، ثم توجه إلى الرحمانية، ثم قصد دمنهور، وكاتبه الإنكليز فى الصلح، فلم يمانع، فقاموا وتركوا المدينة، وكانوا قد قطعوا جسر أبى قير لقطع المواصلة بين ثغر الإسكندرية وداخل القطر، فعمّ الماء أغلب بلاد البحيرة، وأخرب بلادها، وأتلف أرضها وكرومها، وأعدم منها نحوا من مائة وأربعين بلدا بقيت إلى الآن، وهى ما تراه حول اتكو وبحيرة المعدية، إلى المحمودية وما جاور بحيرة مريوط، ممتدا إلى القرب من دمنهور.
[[فتنة العسكر الأرنؤود]]
ولما انقضى أمر الإنكليز التفت الباشا إلى إعادة ما اختلّ من نظام أمر العسكر، فإنهم كانوا قياما على قدم العصيان بخصوص منع جوامكهم، واحتاطوا ببيته بالأزبكية، ورأى منهم عين الغدر، فركب ليلا إلى القلعة، وتحصّن بها.
وبقيت المدينة مضطربة أياما، وجعل يراسل أمراءهم ويواسيهم، ووزع ضريبة على تبعته ورجاله، وأرباب التجارة والصناعة، وصرفها فى بعض الجوامك، وتحقق لديه أن الباثّ لروح الفتن فى العسكر هو رجب أغا فأراد نفيه، فتعصب له جماعة من العسكر، وعملوا متاريس بقنطرة باب الخرق، فأرسل الباشا إليه حسن أغا سرجشمه، فعمل متاريسه جهة المدابغ، وزخف الفريقان، وخرقوا جدران البيوت، ليتوصل كل فريق إلى الآخر وليتمكن كل من عدوه، وسعى فى هدم ما يأويه، فتخرّب لذلك غالب بيوت تلك الخطة، وحصل لأهلها من الشقاء ما لا يوصف، وتعدّى الشقاء لباقى أهل البلد، وغلقت الحوانيت وتعطلت الأرزاق.
فلما طال الحال، ورأى الباشا أن هذه الفتنة إن دامت دمّرت ما دبره، وربما أفسدت ما لا يمكن إصلاحه، وجه صالح خوجه وعمر بيك الكبير، وجعل إليهما أمر الإصلاح.
فبعد مجاورات تم الأمر على أن يعطوا لرجب أغا مبلغا عيّنه، وأن يخرج إلى بلاده، فكان.