لم تمكث الفرنساوية بالديار المصرية زمنا طويلا، فان مدتهم لا تزيد على ثلاث سنين، ومع ذلك حصل فيها حوادث شتى، خرب بسببها كثير من بلاد الإقليم، وتهدم كثير من دور القاهرة، وفارقها كثير من السكان، وقد تكلم الجبرتى على هذه الحادثة، وأسهب فى شرح ما جرى، فمن يروم كمال الوقوف عليها، فعليه أن يراجع ما كتبه ﵀، وسنذكر لك بالاختصار ما يتعلق بالقاهرة خصوصا، وبباقى القطر عموما، حتى لا تخلو مقدمتنا عن هذه الفائدة، فنقول:
إن دخولهم إلى ثغر الإسكندرية كان فى المحرم سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف. وبعد مناوشات حصلت بينهم وبين مراد بيك عند قرية الرحمانية من مديرية البحيرة، انهزم مراد بيك وحضر إلى انبابة، وعمل بها متاريس، وحضرت الفرنساوية فى إثره، فهجموا على تلك المتاريس وأخذوها بعد ثلاثة أرباع ساعة، وانهزم مراد بيك ومن معه إلى الصعيد ولم تنفع جموع العرب ولا الفلاحين بشئ.
وكذلك فارق إبراهيم بيك القاهرة، وفر إلى جهات بحرى بمن لحق به، وتشتت الأمراء إلى الجهتين. وكانت العرب ملأت تلك الجهات، فتعرضت للفارين بالسلب والقتل والنهب، وجميع الرذائل، وصار القطر فوضى، وتعدى الناس بعضهم على بعض.
ودخل الإفرنج القاهرة ثانى يوم انهزام الأمراء، وسكنوا بيوتهم، فسكن بونابارت بيت محمد بيك الألفى بالأزبكية، وسكن كل أمير منهم فيما أعجبه من بيوت الأمراء، ورتبوا مجلسا من العلماء، فاطمأن الناس لذلك، ورجع الكثير إلى داره.
ثم إن الإفرنج أخذوا فى الكشف على بيوت الأمراء والأعيان، وتتبعوا الأوباش الذين ثاروا فى البلد ونهبوا البيوت الخالية، فأخذوا منهم عددا وافرا وعاقبوهم أشد العقاب، وقتلوا البعض بالرصاص فى جنينة الأزبكية، وفتّشوا بيوتهم وأخذوا ما وجدوه فيها من المنهوبات، وضربوا على تجار المسلمين خمسمائة ألف ريال فرنساوى، ثم جعلوا مبلغا على كل