وكان أصل هذا البيت-كما فى الجبرتى-قصرا أنشأه السيد إبراهيم ابن السيد سعودى إسكندر-من فقهاء الحنفية-وجعل فى أسفله قناطر وبوائك من ناحية البركة، وجعلها برسم النزهة لعامة الناس، فكان يجتمع بها الكثير من أجناس الناس وأولاد البلد، وكان بها قهاو ومغان، وعدة من الباعة وغيرها، وكان يقف عندها مراكب وقوارب بها من تلك الأجناس، فكان يقع بها وبالجسر المقابل لها من عصر النهار إلى آخر الليل من الحظ والنزاهة ما لا يوصف.
[مطلب انتقال قصر السيد إبراهيم إلى ملك الألفى]
ثم تداول هذا القصر أيدى الملاك، وظهر على بيك وقساوة حكمه، فسدوا تلك البوائك ومنعوا عنها الناس، لما كان يقع بها فى بعض الأحيان من اجتماع أهل الفسوق والحشاشين ثم اشترى ذلك القصر الأمير أحمد أغا شويكار وباعه بعد مدة، فاشتراه الأمير محمد بيك الألفى فى سنة إحدى عشرة ومائتين وألف، وشرع فى هدمه وتعميره على الصورة التى كان عليها وكان وقتئذ غائبا فى جهة الشرقية، فرسم لكتخدائه ذى الفقار صورته فى كاغد، وبين له كيفية وضعه، فحضر ذو الفقار وهدم ذلك القصر وحفر الجدران ووضع الأساس، وأقام الدعائم، ووضع سقوف الدور سفلية، فحضر عند ذلك مخدومه فلم يجده على الرسم الذى حدده له، فهدمه ثانيا وأقام دعائمه على مراده، واجتهد فى عمارته، وطلب له الصناج والمؤن من الأحجار والأخشاب المتنوعة حتى شحت المؤن فى ذلك الوقت، وأوقف أربعة من أمرائه على جهاته الاربع، وعمل على ذمة العمارة طواحين للجبس، وقمنا للجير، وأحضر البلاط من الجبل قطعا كبارا، ونشرها على قياس مطلوبه، وكذلك الرخام، وذلك خلاف أنقاض رخام المكان، وأنقاض الأماكن التى اشتراها وهدمها وأخذ أنقاضها، ومنها البيت الكبير الذى كان أنشأه حسن كتخدا الشعراوى على بركة الرطلى، وكان به شئ كثير من الأنقاض والأخشاب والشبابيك والرواشن، نقلت جميعها إلى العمارة، فصار كل من الأمراء المشدّين يبنى وينقل ويبيع ويفرق على من أحب، حتى بنوا دورا من جانب تلك العمارة، والطلب مستمر حتى أتموه فى مدة يسيرة، وركب على جميع الشبابيك شرائح الزجاج وهو شئ كثير جدا، وفى المخادع المختصة به ألواح الزجاج البلور الكبار التى يساوى الواحد منها خمسمائة