وفى أيام الحاكم بأمر الله زادت الناس رغبة فى العمارة بالقاهرة، واستجدّت بها حارات ودروب، وبنيت عدة مساجد بالفسطاط، حتى قيل إنه أحصى المساجد التى لا غلة لها، فكانت ثمانمائة، فأطلق لها من بيت المال تسعة آلاف درهم ومائتى درهم، وفى سنة خمس وأربعمائة حبس خمس ضياع عليها، منها: إطفيح، وصول، وطوخ، مع تحبيس ضياع أخرى على القراء والمؤذنين بالجوامع. وعلى المصانع والمارستان وأكفان الموتى. وهو الذى كمّل جامع الخطبة فعرف به، وسمّى بالجامع الحاكمى، وزاد فى جهته الغربية محل الأهراء - - أى الأشوان التى تجتمع فيها الغلال ذخيرة بالقاهرة - وكانت فى بعض أماكن من القاهرة أهراء يخزن بها فى السنة ما يزيد على ثلثمائة ألف أردب من الغلة، أكثرها من الصعيد، وكان منها إطلاق الأقوات لأرباب الرتب، والخدم، وأرباب الصدقات، وأرباب الجوامع والمساجد، وجرايات العبيد السودان، وما ينفق فى الطواحين برسم خاص الخليفة، ومنها يخرج جرايات رجال الأسطول، وما يستدعى بدار الضيافة، لأخباز الرسل ومن يتبعهم، وكان بعض هذه الأهراء عند السور القبلى بقرب محل جامع المؤيد، حيث موضع السجن، المعروف بخزانة شمائل، الذى كان بجوار باب زويلة، على يسرة الداخل منه بجوار السور، وكان هذا السجن من أشنع السجون، إلى أن هدمه الملك المؤيد شيخ المحمودى سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وأدخله مع ما أخذه من الدور بجوانبه فى المدرسة الموجودة الآن المعروفة بجامع المؤيد.
[مطلب أول ما بنى فى موضع الحسينية]
وبنى الحاكم أيضا خارج باب الفتوح شونا كبيرا جدا، ملأه حطبا، حتى خاف الناس من ذلك، وثارت الإشاعة أن الحاكم يريد بجمع هذه الأحطاب إحراق جماعة من الكتّاب، فضجّ الناس تحت القصر يطلبون الأمان، فكتب لهم بالأمان حتى اطمأنوا. وهذا الموضع الذى بناه هو أول ما بنى فى موضع الحسينية، وكان هو أول حارة الحسينية.
[[عمارات الحاكم وجنونه]]
وبنى أيضا جامع المقس الذى كان على شط بحر النيل، وهو المعروف اليوم بجامع أولاد عنان، وكانت المكوس تؤخذ فى هذا الموضع. وأمر بهدم منظرة اللؤلؤة، وهدم سور القصر الكبير، وبناه ثانيا، وجدّد الباب المسمى بباب البحر.