وطلب النقود من البلاد لم يزل متواليا، وتنويع الفرض مستمرا، فلم يلحق بأهالى القطر أشد ولا أعظم مما لحقهم فى هذه المدة، لأن العرب كانت تهجم على البلاد، وتستحوذ على ما وجدت من أموال الأهالى، ويعقبهم الغز يسلبون وينهبون، ويليهم الإفرنج يقتلون ويفجرون، فعجز الناس عن رد هذه الأحوال، خصوصا أهل القاهرة، فقاموا وتحشّدوا بين القصرين، وعملوا متاربس فى بعض الحارات، وحصل بينهم وبين الفرنساويين مناوشات، فكانت المدافع من القلعة تضرب على هذه الجهات، وعلى الجامع الأزهر، فتخرب بهذا السبب جملة من البيوت، وتشتت كثير من الناس، ومات كثير منهم.
وشدّد الفرنساويون على الأهالى زيادة على ما كان، وضربوا عليهم فرضة مستجدة، وأخذوا يجمعونها بأى نوع من الطرق، وزادوا فى احتياطهم، فعملوا قلاعا فوق التلال المحيطة بالقاهرة من جهاتها الأربع، وكذا بمصر العتيقة وشبرا والجيزة، ووضعوا بها المدافع، وشددوا فى جمع الأسلحة، وأخلوا بيوت الأزبكية من أهلها، وأسكنوا بها رجالهم، ومن انتمى إليهم من نصارى الشام والقبط.
[[الحرب بين الفرنسيين والأتراك]]
وفى عقب ذلك حضرت المراكب العثمانية، وخرجت عساكرها فى أبى قير، وتحصنوا وشاع خبرهم فى القاهرة، فكثر لغط الناس، وأظهروا العداوة للفرنساويين، وفرحوا ظنا منهم بالخلاص.
ولكن كان الأمر خلاف ما ظنوا، فإن بونابارت توجه لحرب العثمانيين، فالتقوا فى تلك الجهات، فانهزم العثمانيون، ورجع إلى مصر، ومعه أسرى كثيرة، من جملتهم الوزير، فدهش الخلق، وزاد وجلهم.
وكانت الفرنساويون تشاهد عداوة الأهالى وكراهتهم لهم، فأكثروا من التشديد، وزادوا فى الاحتياط، ثم حضرت عساكر عثمانية من جهة العريش، وشاع بين الناس التكلم فى أمر الصلح، وبالفعل توجه مندوبون من طرف الفرنساوية، ودخل عساكر الترك، ووصلوا المطرية، وانتشروا فى الجهات، ودخلوا المدينة بعد عقد الاتفاق على الشروط اللازمة.