الحاكم بأمر الله عند عرض العساكر ووداعها إذا سارت فى البرّ، وكانت هذه المنظرة فى بستان أنيق يعرف بالبعل، أنشأه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالى، وموضع هذا البستان يعرف اليوم بالبعل.
قلت: ومحل منظرة البعل كان فى مقابلة قنطرة الأوز، وقد خرّبت المنظرة المذكورة، وبنى فى محلها بركة تعرف ببركة الشيخ قمر، وحولها كيمان قد أزيل بعضها وبقى البعض، وأرض البعل بعضها باق وهو أرض البركة وما جاورها بين الخليج وترعة الإسماعيلية، وبعضها زال فى ترعة الإسماعيلية. وأما منظرة التاج فكانت قصرا من قصور الخلفاء، وكان بحرىّ القاهرة وبحرىّ الخليج، بناه الأفضل ابن أمير الجيوش.
قال: وقد خرّبت، ولم يبق لها أثر سوى أثر كوم يوجد تحته حجارة كبار، وما حول هذا الكوم صار مزارع من ضمن أراضى منية السيرج، وكان حوله عدة بساتين، وأعظم ما كان حوله قبة الهواء، وبعدها الخمس وجوه التى هى باقية. وقال: إن التاج، والخمس وجوه، وقبة الهواء تجاه قنطرة بنى وائل، والقنطرة المذكورة هدمت، وبنى بقربها قنطرة أخرى عند حفر الإسماعيلية، وأخذ خليل أغا - باش أغا والدة الخديو اسماعيل - أحجارا كثيرة من التل الذى تقدّم القول عليه.
ومنظرة الخمس وجوه كانت بقرب التاج، وهى من بناء الأفضل أيضا، والبئر المتسعة التى ذكرها المقريزى هى موجودة للآن فى ملك إبراهيم باشا أدهم من ضمن أرض المهمشة.
قال المقريزى: البساتين الجيوشية بستانان كبيران؛ أحدهما من عند زقاق الكحل خارج باب الفتوح إلى المطرية (وزقاق الكحل هو شارع الطشطوشى الآن، ولم يبق من هذا البستان إلا اليسير)، والثانى من خارج باب القنطرة إلى الخندق (الدمرداش)، وكان لهما شأن عظيم.
ومن شدّة غرام الأفضل بالبستان الذى كان يجاور بستان البعل عمل له سورا مثل سور القاهرة، وعمل فيه بحرا كبيرا، وفيه عشارى تحمل ثمانية أرادب، وبنى فى وسط البحر منظرة محمولة على أربعة أعمدة من أحسن الرخام، وحفّها بشجر النارنج، فكان نارنجها لا يقطع حتى يتساقط، وسلّط على هذا البحر أربع سواق، وجعل له معبرا من نحاس مخروط زنته قنطار، وكان يملأ فى عدة أيام، وجلب إليه من الطيور المسموعة، وسرّح فيه كثيرا من الطواويس.
وكان البستانان اللذان على يسار الخارج من باب الفتوح بينهما بستان الخندق لكل منهما أربعة أبواب من الأربع جهات، وجميع الدهاليز مؤزّرة بالحصر العبدانى، وعلى أبوابها سلاسل كثيرة من حديد، ولا يدخل منها إلا السلطان وأولاده.