المذكور هو الذى كان جاريا فى مدة الإسلام وذكره غير واحد من مؤرخى العرب، وبناء على ذلك لم تفهم كفاية الثمانية أذرع للرى الذى أخبرت قسس منف هيرودوط أنها كانت كافية لرى جميع الأرض الكائنة فوق مدينة منف فى زمن فرعون مصر ميربيس؛ لأن هذا الفرعون جلس على سرير ملك مصر بعد أبو فيس بعدة قرون، وضرورة كانت أرض الزراعة وأرض قاع النيل قد ارتفعتا عما كانتا عليه فى زمن سيدنا يوسف ﵇، فإن لم يكن هناك تحريف وغلط فى هذا المقدار، فأقول: ربما يقال إن الذراع الذى كان مستعملا، كان غير الذراع المعتبر فى المقياس الآن، وعلى كل حال فالقانون المذكور هو المعول عليه فى جميع الأزمان، وإن النهاية الصغرى المطلوبة لرى أرض الزراعة بمصر هى أربعة عشر ذراعا، والحد الوسط ستة عشر ذراعا زيادة صرفة وهو حد الوفاء، والثمانية عشر هى النهاية الكبرى التى يخاف منها.
[(المقياس فى مدة الفرس)]
لم يصل إلينا من أقوال المؤرخين ما يفيد أن الفرس فى مدة حكمهم بالديار المصرية بنوا مقاييس جديدة، أو عمروا شيئا من القديم، وحيث أن جميع المؤرخين اتفقوا على أن كسرى ملك الفرس المسمى «بجمشيد» ومن تبعه فى الحكومة فى هذه الديار، كانوا يولون من طرفهم عمالا تجمع الخراج الذى يضربونه على أهل الديار المصرية على غير طريق مربوط، وكان طريق سلوكهم فى ذلك الظلم والإجحاف، وكان لا يشغلهم أمر المبانى النافعة ولا الآثار الباقية، ومن احتقارهم للمصريين وعوائدهم وأديانهم انهدم أكثر المبانى، والذى بقى اعتراه التلف وتلاشى أمره إلى أن أزيل ملكهم وانقطع حكمهم بدخول اليونان هذه الأرض مع إسكندر الأكبر فليبيس واستيلائهم عليها.