وكان بهذا الخط عدة حوانيت لعمل قسى البندق، وعدة حوانيت لرسم أشكال ما يطرز بالذهب والحرير، وقد بقى من هذه الحوانيت بقايا يسيرة، وهو من أخطاط القاهرة الجسيمة.
قال: وكان بجوار سوق البندقانيين سوق الأخفافيين، وهو سوق مستجد أنشأه الأمير يونس النوروزى-دوادار الملك الظاهر برقوق-سنة بضع وثمانين وسبعمائة، ونقل إليه الأخفافيين-بياعى أخفاف النساء-من خط الحريريين والزجّاجيين. وكان مكانه مما خرب فى حريق البندقانيين، فركب بعض القيسارية على بئر زويلة، وجعل بابها تجاه درب الأنجب، وبنى بأعلاها ربعا كبيرا فيه عدة مساكن، وجعل الحوانيت بظاهرها وبظاهر درب الأنجب، وبنى فوقها أيضا عدة مساكن، فعمر ذلك الخط بعمارة هذه الأماكن، وبه إلى الآن سكن بياعى أخفاف النساء ونعالهن.
[[درب الأنجب]]
قال: ودرب الأنجب هذا تجاه بئر زويلة التى من فوق فوهتها اليوم ربع يونس من خط البندقانيين، يعرف بالقاضى الأنجب أبى عبد الله محمد بن عبد الله بن نصر بن على-أحد الشهود فى أيام قاضى القضاة سنان الملك أبى عبد الله محمد بن هبة الله بن ميسر-ثم عرف هذا الدرب بأولاد العميد الدمشقى، فإنه كان مسكنهم، ثم عرف بالبساطى، وهو قاضى القضاة جمال الدين يوسف.
ثم قال: وكان أيضا بالبندقانيين درب كنيسة جدّة (بضم الجيم)، ويعرف بدرب بنت جدة، ثم عرف بدرب الشيخ السديد الموفق. (اه).
(قلت): فيؤخذ من هذا أن خط البندقانيين كان من الأخطاط الكبيرة جدا، وكان به عدة من الدروب وغيرها. وفى وقتنا هذا هو من أعمر أخطاط القاهرة، إلا أنه صار صغيرا بالنسبة لما كان عليه أولا، ومن حقوقه الآن حارة «السبع قاعات» وما جاورها من الحانبين، وبعض شارع السكة الجديدة، وحارة شمس الدولة، وسوق السمك القديم، ويسكنه فى هذه الأيام جملة من العطارين وغيرهم.