للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا محيد لك عنها طوعا أو كرها. فركب الأمير طومان وصحبته جماعة من الأمراء وتوجهوا إلى العارف بالله تعالى سيدى أبى السعود الجارحى بكوم الجارح، فذكروا أمر سلطنة الأمير طومان باى وأنه امتنع من ذلك. فسأله الشيخ عن سبب امتناعه فعرفه أنه يخاف خيانتهم وتخليهم عنه، فأحضر لهم الشيخ مصحفا وحلفهم على أنهم إذا سلطنوه لا يخونونه ولا يقتلونه ولا يغدرون به ولا يخامرون عليه، وأن يرضوا بقوله وفعله، فحلفوا على ذلك وأكدوا الأيمان، ثم حلفهم على أن لا يعودوا إلى ظلم الرعايا وأن لا يشوشوا على أحد بغير طريق شرعى، ولا يجددوا مظلمة، وأن يبطلوا جميع محدثات الغورى ويجروا الأمور على ما كانت عليه أيام الأشرف قايتباى، ويبطلوا المشاهرة التى قررت على الدكاكين، ويمشوا الحسبة على طريقة بشتك الجمالى. فحلفوا على ذلك، ثم ذكر لهم الشيخ أن الله ما هزمكم وسلط عليكم ابن عثمان إلا بدعاء المظلومين الذين جرتم عليهم فى البر والبحر. فقالوا: تبنا إلى الله ﷿ عن جميع المظالم. ثم خرجوا من عنده على أن يسلطنوا الأمير طومان باى وقد رضى بذلك بعد أن كان ممتنعا خائفا من غدرهم به وتخليهم عنه انتهى.

وقد ذكرنا بعض ذلك فى الكلام على المطرية وأنهم سلطنوا الأمير طومان باى ثم تخلوا عنه حتى صلبه السلطان سليم بن عثمان على باب زويلة.

[كائنة مهولة]

وفى ابن إياس أيضا من حوادث هذه السنة أن كائنة مهولة وقعت للزينى بركات ابن موسى محتسب القاهرة مع الشيخ أبى السعود الجارحى، وذلك أن شخصا مدابغيا يبيع الجلود يقال له الدمرداوى جار عليه ابن موسى وأراد أن يقبض عليه، فتوجه الدمرداوى إلى الشيخ واحتمى به، فأرسل الشيخ رسالة لابن موسى يتشفع فيه فتوقف ابن موسى ولم يلتفت إلى رسالة الشيخ، فأرسل الشيخ خلف ابن موسى فلما حضر عنده فى كوم الجارح وبخه الشيخ وقال له: يا كلب كم تظلم المسلمين. فحنق منه ابن موسى وقام من عنده على غير رضا.

فأمر الشيخ بكشف رأس ابن موسى وضربه بالنعال فصفعوه بالنعال على رأسه حتى كاد يهلك ثم وضعه فى مكان وأرسل للأمير علان الدوادار الكبير، فلما حضر قال له: ضعه فى الحديد.

وشاور السلطان عليه، وأعلمه بأنه يؤذى المسلمين. فطلع إلى السلطان وشاوره فأرسل السلطان يقول للشيخ: مهما اقتضاه رأيك فيه فافعله. فأمر الشيخ بإشهار ابن موسى فى القاهرة ثم يشنقوه على باب زويلة، فأخرجوه من الزاوية بكوم الجارح وهو ماش مكشوف الرأس وهو فى الحديد ينادى عليه: هذا جزاء من يؤذى المسلمين. واستمروا من كوم الجارح