صرفه الأمير أزبك على التجاريد وعمارة الأزبكية ما كان ماله ينحصر، وكانت تركته تعادل تركة سيلار نائب السلطنة، ومن أراد أن يعلم علو همة الأتابكى أزبك فلينظر ما صنعه من عمارة الأزبكية، وقد أنشأه فى سنة إحدى وثمانين وثمانمائة.
ثم قال: ومما عد من مساويه أنه كان شديد الخلق صعب المراس، إذا سجن أحدا لا يطلقه أبدا، وكان عنده حدة زائدة وشح فى نفسه، جرئ اللسان مع تكبر وبطش، وقد فاتته السلطنة عدة مرات. ولما مات نزل السلطان وصلى عليه فى سبيل المؤمنين، ودفن عند أستاذه الملك الظاهر جقمق، وكان يقال له أزبك الخازندار وناظر الخاص. (انتهى).
(قلت): وسبيل المؤمنين المذكور كان محله بجوار جامع المحمودية الكائن بالرميلة من الجهة الغربية للجامع.
[الكلام على بركة الأزبكية]
ثم لنذكر هنا بعض كلمات على بركة الأزبكية، فنقول: قال المقريزى: وأول ما عرفت من خبر هذه البركة أنها كانت بستانا كبيرا غربى الخليج، وكان يمتد فيما بين المقس وجنان الزهرى-يعنى من أولاد عنان إلى قنطرة باب الخرق-وكان يشرف على بحر النيل من غربيه وكان يعرف بالبستان المقسى نسبة إلى المقس-التى محلها الآن حارة النصارى المار بها شارع كلوت بيك-وسميت بالمقس بعد أن دخلت مصر فى يد المسلمين، وكانت أولا قرية تعرف بأم دنين، ثم لما صارت مصر للخلفاء الفاطميين أمر الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله أبى هاشم على بن الحاكم بأمر الله يعد سنة عشر وأربعمائة بازالة أنشاب هذا البستان، وأن يعمل بركة قدام المنظرة التى تعرف باللؤلؤة ومحلها الآن عند جامع الشعراوى-فعملت بركة.
وبقيت كذلك إلى أن كانت الشدة العظمى فى زمن الخليفة المستنصر بالله فهجرت البركة وبنى على حافة الخليج أماكن عرفت بحارة اللصوص إذ ذاك، فلما كان فى أيام الخليفة الآمر بأحكام الله ووزارة الأجل المأمون محمد بن فاتك البطائحى أزيلت الأبنية، وعمق حفر الأرض وسلط عليها ماء النيل من خليج الذكر فصارت بركة عرفت ببطن البقرة، وما برحت إلى ما بعد سنة سبعمائة، وكان قد تلاشى أمرها منذ كانت الغلوة فى زمن الملك العادل كتبغا