ويستشيره فيما يصنع، وكان الباشا قد رجع من السودان، فكتب إليه أن لا يبارزهم بالحرب إلا على الأراضى المصرية، كى لا تكون المسئولية عليه، فامتثل ما رسم.
ولما طال الأمر على العساكر الشاهانية تعدّوا إلى نصيبين، فقابلهم إبراهيم باشا بجنوده، والتحمت الحرب بين الفريقين، واشتد القتال وانجلت عن نصرته.
وفى عقب ذلك انتقل السلطان محمود خان عن دار الفناء إلى دار البقاء، فجلس على تخت المملكة السلطان عبد المجيد، والأمور فى غاية الارتباك، والعساكر المصرية تحت قيادة إبراهيم باشا، متجمعة للوثوب، ولكن الباشا رأى أن حل هذه المشكلة بطريقة ودادية أولى، فطلب من الدولة عزل محمد باشا خسرو من الصدارة، لأن هذه الفتن هو أسّها لكونه العدو الألدّ، فعزل.
[[تدخل الدول الكبرى للقضاء على نفوذ محمد على]]
وجرت المراسلات بين الدول فى هذه المسألة، حتى تم الاتفاق على أن دولة الروسيا وبروسيا وانكلترة وفرنسا والنمسا يمعنون النظر فى حلها، وأخبروا الباب العالى أنه لا يجرى شيئا إلا باطلاعهم وتصديقهم.
وكانت فرنسا مساعدة لمحمد على باشا والإنكليز معاكسة له، لحقدها عليه بعض أمور، منها أنها كانت اشترت جزيرة عدن من بعض مشايخ العرب مع قطعة أرض متصلة بها، بمبلغ ستة آلاف ليرة، وأنشأت بها قلعة لعلمها بما يكون لها من الأهمية فى مستقبل الزمان، فلما امتدت شوكة الباشا إلى الخليج الفارسى خافت دولة الإنكليز على مستعمراتها المتسلطة على مدخل البحر الأحمر، فترجت الباشا أن يأمر جنوده بمبارحة تلك الجهة بناء على ما كتب إليها عاملها بتلك القلعة، لأن وجود العساكر المصرية ربما هيّج قبائل العرب، فرأى الباشا أن تركه موقعا استولى عليه بالقوة بمجرد طلب دولة أجنبية مخل بشرفه، ورأى أنه إن مكث هناك تكلف مصروفا لا فائدة منه، فتنازل عن تلك الجهات للدولة، وكذا عن مكة والمدينة وكافة أرض الحجاز.
فهذا كان من الأسباب التى حقدتها دولة إنكلترة على الباشا، وحيث كان لها رياسة المؤتمر سعت فى معاكسته، ولم يلبث أن ورد رفعت بيك أحد رجال الدولة حاملا الفرمان إلى الباشا بأن له ولاية مصر ووراثتها وولاية عكا مدة حياته فقط كما اتفق عليه المؤتمر.