طوله سبعمائة متر، وعرضه خمسمائة، ومنها ما هو أقل من ذلك، وعمق مائها نصف متر، وفى أرض قاعها طباشير مختلطة برمل، وأما الشاطئ الثانى الذى ليس فى جهة النيل فهو خال من السمار، ومن الماء العذب، وهذا دليل على أن ماء البركة مستمد من النيل، يمر تحت الأرض، والجبل الفاصل بين الواديين، ويقوى ذلك أن ماءها يزيد وينقص، تبعا للنيل خلافا لمن قال: إن ماءها يأتى من جهة الفيوم، وباختبار تلك المياه ظهر أنها مركبة من موريات الصودا أو كربوناته، ويظهر أن كربونات الصودا تأتى مع مياه النشع، ومياه الأمطار إلى البرك المذكورة.
ولو أن ماء بعض هذه البرك فيه حمرة من مواد أخطبوطية وأول ما يتبلور عند تبخير هذه المياه ملح الطعام ويصير له هذا اللون ورائحة الورد وقال: العالم برطوليه الفرنساوى أن ملح الصودا يتحصل من تحليل ملح الطعام، بواسطة كربونات الجير الموجودة فى الأرض الرطبة الحاصل فيها التحليل، والسبب فى تكون الصودا (النطرون) فى هذه الأرض هو وجود الرطوبة فى هذه الجهات، والحجر الجيرى الذى بين وادى النطرون والنيل.
[مطلب ضمان النطرون وأول من حظره وكيفية استخراجه]
ثم إن النطرون كان أولا مباحا لجميع الناس، وأول من حظره وجعله فى ديوان السلطان أحمد بن محمد بن مدبر لما ولى خراج مصر، بعد سنة مائتين وخمسين هجرية، فإنه كان من دهاة الناس، وشياطين الكتاب ابتدع فى مصر بدعا، واستمرت من بعده إلى الآن. ولم يكن قبل ذلك على مصر سوى الخراج كما قاله المقريزى فى خططه قال: وقد كان الرسم فيه بالديوان أن يحمل منه كل سنة عشرة آلاف قنطار، ويعطى الضمان منها فى كل سنة قدر ثلاثين قنطارا يستلمونها من الطرانة، فتباع فى مصر بالقنطار المصرى، وفى بحر الشرق والصعيد بالجروى، وفى دمياط بالليثى. قال القاضى الفاضل:
وباب النطرون كان مضمونا إلى سنة خمس وثمانين وخمسمائة بمبلغ خمسة