[الكلام على الإسكندرية فى زمن العزيز إبراهيم باشا]
لم تزل هذه المدينة حين جلوس العزيز إبراهيم باشا على تخت الديار المصرية، آخذة فى السير فى طرق التقدمات والشهرة والقوة، بسبب ما جدّده ورسمه فيها والده العزيز محمد على باشا من المحاسن التى تقدم ذكر بعضها، فلما جلس هذا العزيز على كرسيها زاد فرحها وابتهاجها، لما كانت تؤمله فيه من بلوغها على يديه أوج السعادة وتمام الشهرة اللذين مهدهما لها بحروبه ونصراته، ومعاناته للشدائد من شبيبته إلى مشيبه، حتى حصلت على يديه فتوحات كثيرة، واكتسب هذا القطر بسببه هيبة عند جميع الممالك، فهو فى الحقيقة مشارك للمؤسس الأصلى فى تقدم هذه الديار، وإن كانت مدّة حكمه قصيرة لا تزيد على سبعة أشهر، فإنه- عليه سحائب الرحمة-تولى هذه الديار بطريق الوكالة عن والده فى ربيع الآخر سنة ١٢٦٤، وفى رمضان من تلك السنة توجه إلى الآستانة، فخلع عليه الملك فرمان الأصالة ورجع مستوليا/على التخت، وقد اشتغل بمجرد استيلائه بأمور مهمة فى إسكندرية وغيرها، ذات منافع عمومية من ضمنها: تكميل طوابى إسكندرية واستحكاماتها على الوجه الذى أسست عليه فى عهد العزيز والده، وشحنها بالعسكر والأسلحة والآلات.
ومرّ بالساحل من إسكندرية إلى رشيد، ثم إلى دمياط واستكشفه بنفسه، ورتب لبغازى رشيد ودمياط، بمعرفة جليس بيك، جميع ما يلزم لحفظ الثغور من الطوابى والآلات والعساكر، وهكذا استحكامات القناطر الخيرية، وترعتى العطف وأبى حماد، وبرنبال، والعريش، والسويس، والقصير وما يلزم لحفظ الآبار والعيون التى بطرق تلك الجهات، وأمر فى ثغر إسكندرية بإنشاء مائتين وخمسين شولو باطوبجية، كل واحدة تحمل مدفعين لحفظ البغازات والملاحات، وكان عازما على تخطيط سكة تبتدئ من إسكندرية وتمر بناحية أبى قير وتستمر إلى رشيد، ليسهل السير على العساكر والمهمات عند الحاجة، وعلى ترتيب ضابطان أركان حرب.