للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالشعوذة أكثر من الأول، وأهمل الحكومة، فصارت المملكة الرومانية مضطربة، فى جميع جهاتها، بسبب الفتن الداخلية، والحروب الواقعة بينها وبين الفرس، إلى أن ظهر دين الإسلام بجزيرة العرب، وابتدأ نوره يكشف غياهب الجهل عن عقول سكانها، فاجتمعت كلمة المسلمين، وصاروا يدا واحدة على نصر الحق، وإعلاء كلمة الدين، فعلا الحق على الباطل، واستولى الإسلام على فارس والروم، فمن عهدها، تضعضعت أركان دولة الفرس والرومانيين، وفى زمن قريب أزيلت الفارسية بالكلية، وبقيت الرومانية على ولايات قليلة، واستولى الإسلام على أرض النصرانية، والديانة الوثنية، واستولت المملكة الإسلامية على المملكتين المذكورتين. ثم بعد زمن يسير، سطع نور الإسلام فى المشرق والمغرب، كما سنورده فى محله، إن شاء الله تعالى.

[المدة السادسة]

وهى سنة ٣٢٩، وفى جميع المدد الماضية كانت/إسكندرية تخت ملك الديار المصرية، وإن كانت التقلبات الزمنية جلبت لها تغيرات كثيرة، وصيرتها ميدانا لفتن متنوّعة، لكنها مع ذلك، كانت أول مدينة فى القطر، إلى أن ظهرت الديانة المحمدية بأرض الحجاز، وأخذت تمتد حتى علا قدرها، وسار مسير الشمس فخرها، وطمست معالم الديانة العيسوية-بل زالت بالكلية، من جميع جهات المشرق-ودخلت الديار المصرية تحت تصرف العرب، فانتقل الفخر الذى كان للإسكندرية، إلى مدينة الفسطاط، التى أسست على شاطئ النيل.

ومن ذاك الحين، أخذت الإسكندرية فى النقص والخراب، وصارت لا تذكر، إلا كما يذكر غيرها من المدن.

ولما دخلها عمرو بن العاص، سنة ٦٤٢ ميلادية، كان الخراب عم سراياتها الملوكية، وأعظم شوارعها-المسمى بروشيوم (١) -كان بلقعا، لا يرى فى جانبيه غير تلال من أنقاض البيوت.


(١) الصحيح «بروشيون. «Brouchein انظر: تاريخ مصر فى عصر البطالمة، ج ٢، ص ٢٨٥، وهو حى القصور الملكية وكان يشغل ثلث مساحة الإسكندرية تقريبا.