لم يهدأ لمصر حال بعد مفارقة الفرنساوية، بل ازداد التعب، وعمّ الاضطراب جميع الخلق، وتخرب الكثير من منازل القاهرة وضواحيها. وقاسى الناس، خصوصا التجار والمستورين من الغرامات والكلف، ما لا يمكن وصفه، إلى أن صدر الأمر بتولية المغفور له محمد على باشا عليها سنة ١٢٢٠.
[ولاية محمد باشا أبى مرق]
وكان قد تولى عليها قبله أناس، أولهم محمد باشا المعروف بأبى مرق، فدخلها بموكب حافل، وفرح الناس بقدومه، ظنا أن ينالوا الراحة والأمن، فخاب ظنهم، وانعكس مأمولهم، لعدم قيامه برعاية المصالح، فإن النصارى الأروام الذين كانوا مع الفرنساوية وحصل منهم الأذى للمسلمين، اندرجوا مع الأرنؤود والعسكر ومن بالبلد من الأتراك، وجعلوا يعبثون ويعربدون فى أنحاء القاهرة، وينهبون الأهالى، ويطردونهم من منازلهم، ويسكنونها، واستعملوا فى السلب أنواع الحيل، فيما لم يجدوا إليه سبيلا، فربما جلس العسكرى على دكان بدعوى الاستراحة أو شراء شئ، ثم يقوم ويعود بعد قليل قائلا: إنه نسى كيسه، أو فقد دراهمه، ويجعل ذلك سببا لإهانة صاحب الحانوت، ونهب ما عنده.
وعمّ منهم الفساد، وشاركوا الباعة فيما يبيعون، وساهموا التجار فيما يربحون.
وضاق خناق الخلق، واتسع ميدان الكرب خصوصا فى جهات الأرياف، فإن العسكر صاروا يقتلون ويخطفون المردان والبنات، ويفتضون العذارى، ومن مانع عن عرضه قتلوه، ولا معارض، ولا مغيث.
وتضاعف الكرب، وعم الهرج، أكثر مما كان حين قال قاضى العسكر: بأن الأملاك كافة صارت ملكا للدولة، لأن انتصارها على الفرنساوية يعدّ فتحا جديدا، وعارضه فى ذلك العلماء، وضج أصحاب الأملاك، وأكثروا الشكوى، حتى لم ينفذ ما قاله.