وكانت مدة سلطنته أربع عشرة سنة، وكان ملكا جليلا، محسنا إلى الأمراء التراكمة، معظّما لهم، فصيح اللسان بالعربية، وكان عنده حدّة زائدة، وصادر كثيرا من الناس، وكان إذا سمع بأن أحدا يسكر قطع جامكيته ونفاه، وهدم كثيرا من كنائس النصارى، وأراق الخمور.
***
[تولية السلطان أبى السعادات عثمان]
ولما تولى السلطنة ابنه السلطان أبو السعادات عثمان، لقّب بالملك المنصور، ولم يكن إذ ذاك فى الخزائن أموال تصرف على العساكر، فأشار عليه القاضى جمال الدين ناظر الخاص بضرب دنانير تنقص عن الأشرفية قيراطين، فضربها وسماها «المناصرة»، وصرف منها على العسكر، فلم تطمئن العسكر لذلك. واتفق الأشرفية مع السيفية والمؤيدية على خلع السلطان، وإقامة الأتابكى اينال مقامه، وحملوا إينال على أن قام وحاصر القلعة، وقطع الماء عن السلطان ومن انحاز إليه، واستمر ذلك أياما، حتى اضطر السلطان للتسليم، فقبض عليه وعلى جملة من الأمراء، وأرسلوا إلى سجن الإسكندرية، فكانت مدته أربعين يوما، وبقى فى سجن الإسكندرية إلى أيام الملك الظاهر خوشقدم، فرسم بإطلاقه، فسكن المدينة، ثم انتقل إلى دمياط فى أيام الملك الأشرف قايتباى، ثم أذن له فى الحج، وعاد إلى مصر، فأقام فى القاهرة محترما معزّزا، إلى أن عاد إلى دمياط، ومات بها، ثم نقل إلى مصر، ودفن مع والده وعمره أربع وخمسون سنة.
***
[تولية السلطان أبى النصر إينال]
وبعد خلعه تولى السلطنة السلطان أبو النصر إينال العلائى الظاهرى، ولقّب بالملك الأشرف وهو جركسى، كان أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، ثم صار بعد موته إلى ابنه الناصر فرج، فأعتقه، وأخرج له خيلا وقماشا، وجعله جمدارا، ثم صار أمير عشرة فى دولة الملك المظفر أحمد بن المؤيد شيخ، ثم رقى إلى رتبة أمير طبلخاناه رأس نوبة ثان فى دولة الملك الأشرف برسباى، ثم لما توجه الأشرف برسباى إلى آمد جعله نائب غزة، وفى سنة ست وثلاثين وثمانمائة جعله نائب الرها، ثم أحضره إلى القاهرة، وأنعم عليه بتقدمة ألف، مع بقاء نيابة الرها بيده، ثم نقله سنة أربعين وثمانمائة إلى نيابة صفد