وقد هدمت جدران هذا الجامع ما عدا الذى فيه القبلة، وأعيدت بأمر الخديو اسماعيل وصرف على ذلك من خزانة ديوان الأوقاف، فقارب التمام على هيئته الأصلية. والعزم على عمل مطهرته أحسن مما كانت. وشعائره مقامة من ريع أوقافه بنظر الديوان.
[الأهراء السلطانية]
قال المقريزى: وفى زمن الخلفاء الفاطميين كان فى محل هذا الجامع الأهراء السلطانية، وكانت تمتد إلى قرب الحارة الوزيرية - يعنى درب سعادة الآن. قال: وكان يخزن بها ثلثمائة ألف إردب من الغلات وأكثر من ذلك. وكان فيها عدة مخازن، وكان لها المستخدمون والأمناء، وكان يصرف منها لأرباب الرتب والخدم وأرباب الصدقات والجوامع والمساجد.
وجرايات العبيد السودان، وما ينفق فى الطواحين برسم خاص الخليفة؛ وهى طواحين مدارها سفل وطواحينها علو حتى لا تقارب زبل الدواب. وكان يصرف منها جرايات رجال الأسطول ويصرف منها ما يستدعى بدار الضيافة لأخباز الرسل ومن يتبعهم، وما يعمل برسم الكعك لزاد الأسطول.
ثم قال: وكان متحصل الديوان فى كل سنة ألف ألف إردب، وكان لا يحمل من غلات الوجه البحرى إلى الأهراء إلا اليسير، وباقيها يحمل إلى الإسكندرية ودمياط وتنيس، ليسير إلى ثغر عسقلان وثغر صور، فكان يسير إليهما فى كل سنة مائة وعشرون ألف إردب، منها لعسقلان خمسون ألفا، ولصور سبعون ألفا، فيصير هناك ذخيرة، ويباع منها عند الغنى عنها.
[خزانة الشمائل]
ثم صار فى محل الأهراء خزانة الشمائل. قال المقريزى: هذه الخزانة كانت بجوار باب زويلة، على يسرة من دخل منه بجوار السور. عرفت بالأمير «علم الدين شمائل» والى القاهرة فى أيام الملك الكامل محمد بن العادل - وكانت من أشنع السجون وأقبحها منظرا، يحبس فيها من وجب عليه القتل أو القطع من السرّاق وقطّاع الطريق، ومن يريد السلطان هلاكه. وكان السجان بها يوظف عليه والى القاهرة شيئا من المال يحمله له فى كل يوم، وبلغ ذلك فى أيام الناصر فرج مبلغا كبيرا. وما زالت هذه الخزانة على ذلك إلى أن هدمها الملك المؤيد شيخ فى يوم الأحد العاشر من شهر ربيع الأول سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وأدخلها مع جملة ماهدمه من الدور وغيرها فى جامعه المذكور. (انتهى).