وذكر أيضا أن منية عقبة كانت من عجائب مصر، وأنها كانت أول مراكز الطير التى تحمل البطائق. قال: وكان بالقلعة أبراج برسم الحمام التى تحمل البطائق، وبلغت عدتها على ما ذكره ابن عبد الظاهر فى كتاب «تمائم الحمائم» الى آخر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وستمائة، ألف طائر وتسعمائة طائر، وكان لها عدة من المقدمين لكل مقدم منهم جزء معلوم.
وكانت الطيور المذكورة لا تبرح فى الأبراج بالقلعة، ما عدا طائفة منها، فإنها فى برج بالبرقية خارج القاهرة يعرف ببرج الفيوم، رتبه الأمير فخر الدين عثمان بن قزل استادار الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب، وقيل له برج الفيوم؛ لأن جميع الفيوم كانت فى إقطاع بن قزل، وكانت البطائق ترد إليه من الفيوم، ويبعثها من القاهرة الى الفيوم من هذا البرج، فاستمر هذا البرج يعرف بذلك.
وكان بكل مركز حمام فى سائر نواحى المملكة مصرا وشأما، بين أسوان إلى الفرات، فلا تحصى عدة ما كان منها فى الثغور والطرقات الشامية والمصرية، وجميعها تدرج وتنقل من القلعة إلى سائر الجهات، وكان لها بغال الحمل من الإصطبلات السلطانية، وجامكيات البراجين والعلوفات تصرف من الأهراء السلطانية فتبلغ النفقة عليها من الأموال ما لا يحصى كثرة، وكانت ضريبة العلف لكل مائة طير ربع ويبة فول فى كل يوم، وكانت العادة أن لا تحمل البطاقة إلا فى جناح الطائر لأمور، منها: حفظ البطاقة من المطر، وقوة الجناح، ثم إنهم عملوا البطاقة فى الذنب، وكانت العادة إذا بطق من قلعة الجبل إلى الإسكندرية فلا يسرح الطائر إلا من منية عقبة بالجيزة، وهى أول المراكز، وإذا سرح إلى الشرقية لا يطلق إلا من مسجد التين خارج القاهرة، وإذا سرح إلى دمياط لا يسرح إلا من ناحية بيسوس بشط بحر منجا، وكان يسير مع البراجين من يوصلهم إلى هذه الأماكن من الجاندارية.