وفى سنة عشر وسبعمائة بلغ الناصر أن أحا الأمير سلار وجماعة من الأمراء من عصبته يقصدون الوثوب عليه، فلما تحقّق لديه ذلك قبض عليهم، وبعث باستحضار سلار، فلما جاء سجنه فى القلعة أياما حتى مات.
وطالت سلطنة الناصر هذه المرة، وتم له من العزّ والشوكة والسعة وبسطة الملك ما يطول شرحه.
وكان ذا شغف بالعمارات، فحدثت فى أيامه عمارات كثيرة منه ومن غيره، فاستجد بقلعة الجبل المبانى الكثيرة من القصور وغيرها. وحدثت فيما بين القلعة وقبة النصر عدة ترب - محل قايتباى وترب المجاورين - بعد ما كان ذلك المكان فضاء يعرف بالميدان الأسود وميدان القبق، وتزايدت العمارات بالحسينية، حتى صارت من الريدانية إلى باب الفتوح. وعمر ما حول بركة الفيل والصليبة، إلى جامع ابن طولون، وما جاوره إلى المشهد النفيسى.
وحكر الناس أرض الزهرى وما قرب منها، وهو من قناطر السباع إلى منشأة المهرانى، ومن قناطر السباع إلى البركة الناصرية، إلى اللوق، إلى المقس. وأمر بهدم الإيوان الذى أنشأه السلطان المنصور قلاوون المعروف بدار العدل، وأعاده، وأنشأ فيه قبة جليلة.
وبنى القصر الأبلق بالقلعة، وعمل بجانبه بستانا متسعا، وصرف على ذلك خمسمائة ألف ألف درهم. وكانت العادة جلوس السلطان به للخدمة كل يوم، ما عدا يومى الاثنين والخميس فإنه يجلس فى دار العدل. وكان ذلك القصر مشرفا على الرميلة وقراميدان، وكان بداخله ثلاثة قصور، فى جميعها وجميع قصور الأمراء مجارى الماء مرفوعا من النيل بدواليب تديرها البقر، فتنقله من موضع إلى أعلى منه، حتى ينتهى إلى القلعة. وكانت العادة أن يمدّ كل يوم، طرفى النهار، أسمطة جليلة لعامة الأمراء. وكذا عمّر سبع قاعات بالقلعة لسراريه، وكانت تشرف على قراميدان وباب القرافة.
وفى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة أمر بهدم دار النيابة، وأبطل النيابة والوزارة، ومن بعده أعادها الأمير قوصون عند استقراره فى النيابة، فلم تكمل حتى قبض عليه، فولى بعده الأمير طشتمر حمص أخضر. وبعد القبض عليه تولاها الأمير شمس الدين آق سنقر فى أيام الملك الصالح إسماعيل، فجلس بها سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وهو أول من جلس بها من النواب بعد تجديدها، وتوارثها النواب بعده.
[[حفر الخليج فى عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون]]
ولما أنشأ الملك الناصر محمد بن قلاوون القصور والخانقاه بناحية سرياقوس، وجعل هناك ميدانا يسرح إليه، وأبطل ميدان القبق، وترك المصطبة التى بناها بالقرب من بركة