ولأجل تتميم جميع منافع الترسانة، وتحصيل زيادة الأمن على السفن الصادرة والواردة، أنشأ الفنار الموجود الآن برأس التين، وعين له مظهر باشا فبناه على أحسن هندام، وجعل ارتفاعه ستين مترا، ونوره يشاهد من ثمانية فراسخ فى البحر، فعمت منافعه وكثرت فوائده.
[مطلب عمل الحوض]
ولما كانت سفن الدوننمه وغيرها من المراكب لا تستغنى عن حوض فى المينا لأجل عمارة ما يحتاج منها إلى العمارة، لا سيما مينا الإسكندرية، لكثرة توارد المراكب عليها، صدر أمره بعمل حوض فى ليمان تلك المدينة.
ولقلة المهندسين إذ ذاك بالديار المصرية، عين لعمله شاكر أفندى، المتقدم ذكره، فصار يعمل فيه أعمالا غير منتجة، لأنه فضلا عن عدم مهارته فى الأعمال الهندسية كانت أرض ذلك المحل رخوة يبلغ عمق رخاوتها نحو ستين قدما تحت استواء الماء، فكان يعمل صناديق كبيرة من خشب ويملؤها بالبنيان، ثم ينزلها فى الماء فى المحل الذى يلزم رميها به، وهكذا، واستمر على ذلك زمنا والعمل لا يتقدم، وربما انقلبت الصناديق بما فيها وتحوّلت عن أماكنها، حتى استوجب ذلك صرف كثير من الأموال بلا كبير فائدة، فعين لذلك كلا من المرحوم مظهر باشا، والمرحوم بهجت باشا، وكانا قد قدما من بلاد أوربا، وجعل ثالثهما لبنان بيك، وأمرهم بعقد مجلس للنظر فى ذلك، وبعد عقد المجلس والنظر فيه عملوا قرارا مضمونه، أن هذا العمل لا ينتج، وعرضوه عليه وبعد مضى زمن أحضر (موجيل بيك) من بلاد فرنسا وناط به عمل ذلك الحوض، فعمل أولا رسما وعرضه على العزيز فاستحسنه، ثم شرع فى البناء فجعل يدق خوازيق فى محله بعد حفر الطين منه بالكرّاكات، وكلما نزح موضعا ملأه بالخرصان، وهكذا إلى أن تم على وفق المرام، وانتفع به الخاص والعام.