وهذا الحوض عبارة عن ناحية من البحر متسعة، عميقة أو تعمق بالكراكات، تختار بقرب البر وتحاط بالبناء المتين المصنوع من المواد الجيدة والمؤن الطيبة، ويجعل طوله بحيث يسع أكبر سفينة فى البحر، وعرضه بنسبة ذلك، وله فم من جهة الماء يسد بباب بهيئة مخصوصة، وتجعل فيه منافذ صغيرة تفتح وتقفل بحسب الحاجة، فإذا أريد إدخال سفينة فيه للعمارة يفتح الباب فتدخل السفينة بسهولة، ثم يسد فينزح الماء منه بواسطة وابور حتى يجف، وبعد تمام العمارة يملأ الحوض ثانيا ويفتح الباب فتخرج السفينة.
وسيأتى لذلك مزيد بيان عند الكلام على الحوض الذى أنشأه حضرة الخديو إسماعيل باشا هناك. فجميع تلك الأعمال كان سببا لقوة السفن الحربية وكثرتها، ولم تزل تكثر ويجلب لها من البلاد الخارجية ما يلزم لها من الأسلحة وخلافها حتى قويت الدونانمة المصرية، وأحرزت ما كانت فاتتها به دوننمة الدولة العلية من العدد والعدد والمدد والتعليمات النافعة الغريبة التى لم تسمح الديار المصرية بمثلها فى الأعصر الخالية.
وجعل موسيو (بيون ويس) أميرا عليها جميعها، وأعطاة رتبة ميرألاى، وكان قبل ذلك أحد ضباط الدوننمة الفرنساوية، وحاصل أمره أنه كان سنة ١٨١٥ ميلادية فى مينا رشفور بسفينته حين كان نابليون نوريت يريد الهروب من بلاد فرنسا، فتعهد له أن يوصله إلى بلاد الأمريكا، وقبل منه نابليون ذلك فاستعد (بيون) لهذا الأمر، ووضع فى سفينته جملة براميل فارغة مصفوفة بعضها بجوار بعض ليخفيه فيها، فهيأ نابليون جميع ما يلزم لسفره، وتواعد مع (بيون) على أن ينتظره بجزيرة إكس، فلما اجتمع معه فى الميعاد وجده قد رجع عن العزم على السفر معه، وأخبره أنه كتب إلى أمير الدولة الإنكليزية أن يأخذه عنده.
ثم شاع خبر توافقه معه على إخفائه فخاف (بيون) عاقبه ذلك، وقد حصل/بالفعل رفته لهذا السبب، فصار يشتغل بالتجارات والأسفار فى سفينة لزوجته، إلى أن حضر سنة ١٨٢٠ ميلادية بمدينة الإسكندرية، وكان العزيز إذ ذاك مهتما بإنشاء السفن، فعرض له بطلب الخدامة والمعيشة تحت ظله، فجعله ملاحظا للسفن الجارى إنشاؤها فى بلاد أوربا ثم