إلى المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية؛ فزار أولا ثم رجع إلى مكة فأقام بها حتى حج ثم رجع إلى القاهرة بدون زيارة، وكان دخوله لها فى حادى عشر المحرم سنة أربع وخمسين فأقام بها قليلا ثم تمرض أشهرا ومات غروب يوم الثلاثاء رابع شوالها وصلى عليه من الغد بمصلى باب النصر، ودفن بتربته التى أنشأها بالصحراء فى قبر عيّنه لنفسه وأسند وصيته لقاضى الحنابلة البدر البغدادى وعين له ألف دينار يفرقها وله الشطر منها ففرق ذلك بحضرة ولده على باب منزله، وضبط تركته أحسن ضبط ونفذت سائر وصاياه رحمه الله تعالى.
وكان إنسانا حسن الشكل نير الشبه متجملا فى ملبسه ومركبه وحواشيه إلى الغاية وافر الرياسة حسن السياسة كريما واسع العطاء استغنى بالانتماء إليه جماعة راغبا فى المماجنة بحضرته ولو زادت على الحد غاية فى جودة التدبير ووفور العقل، وله من المآثر والقرب المنتشرة بأقطار الأرض ما يفوق الوصف، فمن ذلك ما عمله بكل من المساجد الثلاثة وبدمشق وغزة وبنى مدرسة بالقاهرة وهى التى تجاه منزله بخط الكافورى وأصلح كثيرا من مسالك الحجاز، ورتب سحابة تسير فى كل سنة من كل من دمشق والقاهرة إلى الحرمين ذهابا وإيابا برسم الفقراء والمنقطعين، وحج وهو ناظر الخاص مرتين وأحسن فيهما بل وفيما بعدهما من الحجات لأهلهما إحسانا كثيرا ودخل حلب غير مرة.
ولذا ترجمه ابن خطيب الناصرية فى ذيله لتأريخها، ووصفه بمزيد الإحسان للخاص والعام وصحبة العلماء والفقراء والصلحاء والإحسان إليهم، والمبالغة فى إكرامهم والتنويه بذكرهم عند السلطان وقضاء حوائج الناس حتى شاع ذكره واشتهر إحسانه وصار فردا فى رؤساء مصر والشام.
ولما قدم ابن الجزرى القاهرة أنزله بمدرسته وحضر مجلسه يوم الختم وأجاز له، وكذا سمع على البرهان الحلبى وشيخنا وغيرهم وخرجت له عنهم حديثا كان سأل عنه انتهى باختصار قليل.
[ترجمة الشيخ السبكى]
وترجم فى خلاصة الأثر الشيخ السبكى المار الذكر؛ فقال: هو الشيخ أحمد بن خليل بن إبراهيم بن ناصر الدين الملقب بشهاب الدين المصرى الشافعى السبكى نزيل المدرسة الباسطية بمصر وقف المرحوم القاضى عبد الباسط وخطيبها وإمامها.