واشتد احتراق النيل مما يلى مصر، فاتفق الرأى على سده من بر الجيزة ليتحول الماء إلى مصر، ووكل هذا الأمر إلى الأمير منجك المذكور، فضرب لأجل ذلك على كل دكان درهمين من الفضة، وعلى كل نخلة من نخل الشرقية كذلك، إلى غير ما ذكر، فجمع أموالا جمة، وصنع مراكب، وشحنها أحجارا، ورماها فى مجرى النيل، مما يلى بر الجيزة، فلم تحصل ثمرة.
وعزل منجك من الوزارة، ثم أعيدت إليه بعد قليل، ففتح باب الولايات بالمال، وجمع من ذلك أموالا عظيمة، واشتد ظلمه وعسفه، وكثرت حوادثه. إلى أن عزل بعد مدة، وحمل إلى الإسكندرية، فاعتقل بها، وصودر فى جميع أملاكه وأمواله، ثم أطلق وأعيد إليه بعض ملكه.
وفى سنة تسع وأربعين وسبعمائة حصل طاعون عام وفناء عظيم عم ديار مصر وغيرها، وقيل إنه لم يسبق مثله، فخرب أكثر البلاد ومصر والقاهرة، وتعطل الزرع بسبب موت الفلاحين، ولم يكن الموت مقصورا على الآدميين، بل شمل الطاعون أيضا الجمال والخيل والحمير والوحوش والطيور، وحصل الغلاء، واشتد حتى بلغ ثمن الويبة من القمح - وهى سدس الإردب - مائتى درهم فضة.
وفى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة جمع السلطان حسن القضاة الأربعة والأمراء ورشد نفسه. وبعد أيام قبض على جماعة من الأمراء، منهم الأمير منجك المتقدم ذكره، وأرسلهم إلى الشام على طريق الإسكندرية، فداخل الأمراء من ذلك ما داخلهم، إلى أن تعصبوا وقاموا عليه فى سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة. وكان رأس الفتنة الأمير طاز، فقبضوا عليه، وسجنوه بالقلعة فى مكان داخل دور الحرم، فأقام به إلى حين عوده للسلطنة ثانية كما سيأتى، فكانت مدته فى هذه المرة ثلاث سنين وتسعة شهور.
***
وتولى بعده أخوه الملك الصالح صلاح الدين صالح فى ثامن عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة يوم خلع أخوه، وهو آخر من تسلطن منهم، ولم يكن بلغ سنه خمس عشرة سنة، فأقام ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام، ثم خلع لكثرة لهوه، وسجن بالقلعة يوم الاثنين ثانى شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة.
وكان المتكلم فى أمر الديار المصرية فى مدته الأمير طاز المتقدم ذكره، وهو صاحب الدار التى جعلت فى زماننا هذا مدرسة للبنات بقرب الصليبة، والأمير شيخو العمرى صاحب