للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقل وبقدر عدد الدراهم أرادب من البر فى كل سنة، ولما انتهى أمرها فى شهر شعبان سنة ثمان وثمانين حضر الأمير المذكور واجتمع المشايخ والطلبة وأرباب الوظائف وصلوا بها الجمعة، وبعد انقضاء الصلاة جلس الشيخ على الصعيدى على الكرسى وأملى حديث:

«من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا فى الجنة» (١)، فلما انقضى ذلك أحضرت الخلع والفراوى فألبس الشيخ عليا الصعيدى والشيخ الراشدى الخطيب والمفتين الثلاثة فراوى سمور، وباقى المدرسين فراوى نافا بيضا، وأنعم على الخدمة والمؤذنين وفرق عليهم الذهب والبقاشيش، وتنافس الفقهاء والأشياخ والطلبة وتحاسدوا وتفاتنوا.

ووقف على ذلك أمانة قويسنا وغيرها ولم يصرف ذلك إلا سنة واحدة، فإنه لما مات تأمر أتباعه وتقاسموا البلاد ومن جملتها أمانة قويسنا فبرد أمر المدرسة وعوضوا عن ذلك الوكالة التى أنشأها على بيك ببولاق لمصرف أجر الخدمة وعليق الأثوار بعد ما أضعفوا المعاليم ونقصوها ووزعوا عليهم ذلك الإيراد القليل.

ولم يزل الحال يتناقص ويضعف حتى بطل التوقيت والأذان، بل والصلاة فى أكثر الأوقات، وخلق فرشها وبسطها وعتقت وبليت وسرق بعضها، وأغلق أحد أبوابها المواجهة للطريق الموصل للمشهد الحسينى، بل أغلقت جميعها شهورا مع كون الأمراء أصحاب الحل والعقد أتباع الواقف ومماليكه لكن لما دخل عليهم الطمع ظهر الخلل فى كل شئ حتى فى نظام دولتهم وإقامة ناموسهم، انتهى.

[ترجمة محمد بيك ابى الذهب]

ثم انه قبل ذلك ترجم هذا الأمير فقال: هو الأمير الكبير محمد بيك أبو الذهب تابع على بيك الشهير بالكبير اشتراه أستاذه فى سنة خمس وسبعين فأقام مع أولاد الخزنة اياما قليلة وكان إذ ذاك إسماعيل بيك خازندار، فلما قلد إسماعيل بيك الإمارة قلد الخازندارية مكانه وطلع مع مخدومه إلى الحج، ورجع أوائل سنة ثمان وسبعين وتأمر فى تلك السنة وتقلد الصنجقية، وعرف بأبى الذهب بسبب أنه لما تلبس بالخلعة بالقلعة صار بفرق البقاشيش ذهبا، وفى حال ركوبه ومروره جعل ينثر الذهب على الفقراء الجعيدية حتى دخل منزله فعرف بذلك فإنه لم يتقدم نظيره لغيره ممن تقلد الإمارة، واشتهر عنه هذا اللقب وسمع شهرته بذلك فكان لا يضع فى جيبه إلا الذهب ولا يعطى إلا الذهب


(١) رواه أحمد فى مسنده عن ابن عباس. راجع (الجامع الصغير فى أحاديث البشير النذير للسيوطى)