وساعة سعيدة، فتركه على حاله، وأدخل فيه دير العظام الذى فى محله جامع الأقمر، واختطت كل قبيلة خطة عرفت بها، وأدار السور الذى جعله من اللّبن على مناخه الذى نزل فيه بعساكر وسماها «المنصورية».
ولما كملت فى ثلاث سنين، وبلغ المعز تمامها، خرج من مدينة «المنصورة» - تخت ملكه بالمغرب - يريد أرض مصر، فركب البحر فى أسطول، واجتاز على جزيرة سار دينيا ثم جزيرة صقلية التابعتين لملكه، وأقام بهما عدة شهور حتى رتّب أمورهما، ثم اجتاز على طرابلس الغرب، فأقام بها يسيرا، وقام منها فدخل الإسكندرية فى شعبان من السنة المذكورة، وأقام بها مدة، ثم سار إلى الفسطاط بعساكره، واجتاز النيل على جسر عمله له جوهر عند البستان المسمى بالمختار، وكان فى الطرف البحرى من جزيرة المقياس. فلم يدخل الفسطاط مع أنها تزينت له، واستعدّ أهلها لملاقاته، بل سار إلى أن دخل القاهرة، وكان معه أولاده وإخوته، وسائر أولاد جده عبيد الله المهدى أول ملوك الدولة الفاطمية بالمغرب، وتوابيت آبائه.
[[محاولة القرامطة غزو مصر]]
وفى الخطط أن القاهرة فى أول الأمر كانت تسمى بالقلعة والطابية والمعقل والحصن، وقصد القائد باختطاطها فى هذا الموضع أن تكون حصنا للفسطاط ممن يقصدها من جهتها البحرية، خصوصا القرامطة الذين كانت بايديهم البلاد الشامية القاصية وبلاد أرمنستان، فإنه لما بلغهم استيلاء جوهر على مصر وأخذه دمشق جيشوا جيوشا جرارة، وساروا لقتاله فى سنة ستين وثلثمائة. فلما وصلوا دمشق أخذوها، وقتلوا جعفر بن فلاح حاكمها من طرف الفاطميين، ثم أخذوا الرملة، ثم وصلوا القلزم، فاحترس جوهر، واستعد لقتالهم، وحفر الخنادق، وبنى الأبواب المنيعة، وركّب عليها بوابات البستان الكافورى وكانت من حديد، وبنى القنطرة عند شارع باب الشعرية - وهى باقية إلى زماننا هذا - سنة ثلثمائة وألف، ثم حصل بينه وبينهم عدة وقعات قتل فيها كثير منهم، وانهزموا شر هزيمة، واستولى جوهر على سواد أميرهم الأعصم وكتبه وصناديقه.
[[الخنادق المحيطة بالقاهرة، وبستان الإخشيد]]
وكانت القاهرة إذ ذاك بين ثلاثة خنادق: خندق من قبليها، وهو الذى حفره عمرو ابن العاص، ﵁، وكان شرقى قبر الإمام الشافعى ﵁، وخندق اليحاميم أوله الجبل الأحمر المسمى باليحاميم، وخندق من غربيها وهو الخليج الموجود فى هذا القرن الثالث عشر.