والظاهر أنه بنى قبل هذا البناء الأخير من طرف بعض بنى الجيعان، فإن فى الضوء اللامع للسخاوى: أن شاكر بن عبد الغنى المعروف كسلفه بابن الجيعان بنى الجامع الذى بالقرب من أرض الطبالة المعروفة الآن ببركة الرطلى. قال فى ترجمته: شاكر بن عبد الغنى ابن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب أحد الأعيان وأكبر أشقائه الخمسة، ولد سنة تسعين وسبعمائة تقريبا بالقاهرة ونشأ بها، وتدرب بأبيه وجده لأمه مجد الدين كاتب المماليك فى الأيام الناصرية، وكان يباشر عنه إذا غاب، واستقر بعد والده فى كتابة الجيش. ثم قرره المؤيد بسفارة الزينى عبد الباسط فى عمالة المؤيدية واقتدى به فى ذلك الأشرف برسباى. وفى أيامه كان يتكلم عن الزينى المشار إليه فى الخزانة وغيرها، ولا زال فى ارتقاء إلى أن صار مرجعا فى الدول، وعرف بجودة الرأى وحسن التدبير ووفور العقل، وقوة الجنان وعدم المهابة للملوك فمن دونهم من غير إخلال بالمداراة، مع السكون والتواضع والبذل الخفى.
وله مآثر وقربة منها هذا الجامع، وجامع بالخانقاه السرياقوسية، وخطبة بمكان الآثار الشريف، وبر كثير للفقراء وأهل الحرمين بل وغالب من يقصده، وحفظ لأهل البيوت والتوجع لمن يتأخر منهم، واستجلاب أهل الجفاء بالإحسان، وحج مرارا، ولم يزل على وجاهته حتى مات فى سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة، ودفن بتربتهم بجوار الأشرف برسباى من الصحراء. وكان قد أجازه جماعة، منهم: ابن صديق، وعائشة بنة بن عبد الهادى، والزينى المراغى، وغيرهم انتهى.
وفى الجبرتى من حوادث سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف: أن السيد محمد المحروقى جدد جامع الحريشى الذى ببركة الرطلى بجوار داره، فأقام حيطانه وعمده/وسقفه وبيضه وأقام الخطبة فيه بعد أن كان قد تخرب، وذلك أنه لما حصلت المفاقمة سنة أربع عشرة ومائتين وألف بين الفرنساوية والأمراء المصريين، ووقعت الحروب داخل البلد ملك طائفة من الفرنساوية التل المعروف بتل أبى الريش، وأخذوا يرمون بالمدافع والقنابر على أهل باب الشعرية وتلك النواحى، فما انجلت الحروب حتى خربت بيوت البركة وما بظاهرها من الدور وغيرها، ثم بعد مدة استحسن السيد محمد المحروقى أن يجعل له سكنا هناك. فشرع فى تنظيف الأتربة وأنشأ دارا متسعة، وفرشها بالرخام وجعل حولها بستانا للنزهة، وعمر هذا الجامع لمجاورته لداره انتهى.