وفاس برأسين أحدهما للقطع والأخرى للهدم، ومع كل منهم جملان وفرسان وهجين، ورسم لأمير هذا العسكر أنه إذا وصل إلى ينبع وعداه لا يرفع رأسه إلى السماء بل ينظر إلى الأرض، ويقتل كل من يلقاه من العربان إلا من علم أنه أمير عرب، فإنه يقيده ويسجنه معه. وجرد من دمشق ستمائة فارس على هذا الحكم، وطلب الأمير أيتمش - أمير هذا الجيش - ومن معه من الأمراء والمقدمين وقال له: إذا وصلت إلى مكة لا تدع أحدا من الأشراف ولا من القواد ولا من عبيدهم يسكن مكة، وناد فيهم من أقام بمكة حل دمه، ولا تدع شيئا من النخل حتى تحرقه جميعه، ولا تترك بالحجاز دمنة عامرة، واخرب المساكن كلها، وأقم فى مكة بمن معك حتى أبعث إليك بعسكر ثان.
وكان القضاة حاضرين فقال قاضى القضاة جلال الدين القزوينى: يا مولانا السلطان هذا حرم قد أخبر الله عنه أن من دخله كان آمنا وشرّفه، فرد عليه جوابا فى غضب، فقال الأمير أيتمش: فإن حضر دمنة للطاعة، وسأل الأمان؛ فقال: أمنه.
[صورة أمان]
ثم لما سكن عنه الغضب كتب باستقرار أهل مكة وتأمينهم، وكتب أمانا نسخته:
«هذا أمان الله ﷾، وأمان رسوله ﷺ وأماننا للمجلس العالى الأسدى دمنة ابن الشريف نجم الدين محمد بن أبى نمر بأن يحضر إلى خدمة الصنجق الشريف صحبة الجناب العالى السيفى أيتمش الناصرى آمنا على نفسه وأهله وماله وولده، وما يتعلق به، لا يخشى حلول سطوة قاصمة، ولا يخاف مؤاخذة حاسمة، ولا يتوقع خديعة ولا مكرا، ولا يحذر سوءا ولا ضررا، ولا يستشعر مخافة ولا ضررا، ولا يتوقع وجلا، ولا يرهب بأسا. وكيف يرهب من أحسن عملا؟ بل يحضر إلى خدمة الصنجق آمنا على نفسه وماله وآله، مطمئنا، واثقا بالله ورسوله، وبهذا الأمان الشريف المؤكد الأسباب، المبيض الوجه، الكريم الأحساب. وكلما يخطر بباله أنا نؤاخذه به فهو مغفور، ولله عاقبة الأمور، وله منا الإقبال والتقديم، وقد صفحنا الصفح الجميل. وإن ربك هو الخلاق العليم، فليثق بهذا الأمان الشريف، ولا يسئ به الظنون، ولا يصغ إلى قول الذين لا يعلمون، ولا يستشير فى هذا الأمر إلا نفسه، فيومه عندنا ناسخ لأمسه. وقد قال ﷺ: «يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدى بى، فليظن بى خيرا». فتمسك بعروة هذا الأمان، فإنها وثقى.
واعمل عمل من لا يضل ولا يشقى، ونحن قد آمناك فلا تخف، ورعينا لك الطاعة والشرف، وعفا الله عما سلف. ومن آمناه فقد فاز، فطب نفسا وقر عينا، فأنت أمير الحجاز والحمد لله وحده». (اه).