وطمع إبراهيم فى المواريث، فكانوا إذا مات الميت يحيطون بمخلفاته، سواء كان له وارث أم لا، حتى صار بيت المال من جملة المناصب التى يتولاها شرار الناس بجملة من المال يدفعها فى كل شهر، وإذن لا يعارض فيما يفعل من الجزئيات، وأما الكليات فيختص بها الأمير، فيحل بالناس ما لا يوصف من أنواع العناء، حتى خرب الإقليم بأسره، وانقطعت الطرق، وعربدت أولاد الحرام، وفقد الأمن، ومنعت السبل، إلا بالخفارة، وركوب العرب.
وانتشر الفلاحون فى المدينة بنسائهم وأولادهم، يضجون من الجوع، ويأكلون ما يتساقط فى الطرقات من قشر البطيخ وأوراق الشجر، حتى لا يجد الزبال شيئا يكنسه من ذلك، واشتد الكرب، حتى أكلوا الميتة من الخيل والحمير والبغال والجمال، فكان إذا خرج حمار ميت تزاحموا عليه وقطعوه، فمنهم من يأكل ما أخذه نيئا من شدة الجوع، ومنهم من هو على خلاف ذلك، ومات الكثير جوعا.
هذا والغلاء مستمر، والأسعار فى نمو، والدرهم والدينار عزيز من أيدى الناس، والتعامل قليل إلا فيما يؤكل … إلى آخر ما قاله الجبرتى. ومع ذلك كانت الأمراء تنهب فى المدينة، ورجالهم تنهب فى بلاد الأرياف، وما من مجير، وتشكّى الناس إلى إبراهيم بيك فلم يجدوا منصفا.
***
[محاربة عساكر الدولة مع عساكر مراد بيك]
ولما اشتد الأمر، وعمّت البلوى، وكثر التعدى على التجار، من الإفرنج وغيرهم، وانتشر خبر ذلك فى الآفاق، أرسلت الدولة فى سنة اثنتين ومائتين وألف حسن باشا القبطان، ومعه العساكر، ليرجع هؤلاء العساكر عما هم فيه، فلما وصل ثغر الإسكندرية، وبلغ الخبر الأمراء، هاجت المدينة وماجت، وأخذ كل يخفى أمواله، ويستعد للخروج، وجرت المخابرات بين الأمراء وحسن باشا القبطان، فلم تفد شيئا، فتوجه مراد بيك بعسكره إلى فوّة ووقع بينه وبين عساكر الدولة محاربة، كانت الدائرة فيها عليه، فانهزم ورجع إلى مصر، وأراد إبراهيم بيك أن يدخل القلعة، فسبقه الباشا إليها، فلم يجد بدا من مفارقة مصر، ومن معه من الأمراء، ففروا إلى الجهات القبلية، وحضر قبطان باشا فى إثرهم، ودخل مصر، وأخذ فى الاستيلاء على بيوتهم، وتتبع أموالهم، وجهز طائفة من العسكر، وأمّر عليهم عابدين باشا، وأرسلها لاقتفاء آثار الفارين، فوقعت بينهم جملة مناوشات، مات فيها خلق كثير من الطائفتين، وتعطلت أسباب الأرزاق.