للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرت فى الخوانق، ورتب فى قبتها درسا للحديث، وقرّاء يتناوبون القراءة فى الليل والنهار، وأوقف عليها الأوقاف العظيمة. وقد دثر كل ذلك بتوالى الأيام، ولم يبق من الخانقاه إلا بعضها، وهو الجامع المعروف بجامع بيبرس.

وفى أيامه قصر مد النيل سنة تسع وسبعمائة، فلم يبلغ فى الزيادة غير ستة عشر ذراعا، إلا قيراطين، فشرقت أرض مصر، وتعالت الأسعار، فضجّ الناس وتشاءموا بالمظفر، وصارت العامة تتغنى بالأزجال فى مسبّته، فشدّد فى العقاب، وقبض على كثير من العامة، فقطع ألسنة بعضهم، وضرب البعض.

وقبض أيضا على جماعة من الأمراء بلغه أنهم يكاتبون الناصر سرا، فخرج كثير من الناس ولحقوا بالناصر فى الكرك، فكتب إليه المظفر يتهدده بالنفى إلى القسطنطينية، ويطلب منه ما خرج به معه من الخيل والمال والمماليك، فحنق الناصر من ذلك، وكاتب نوّاب طرابلس وحمص وصفد وحماة وغيرهم، وكان من ذكروا من مماليك أبيه وعتقائه، فأجابوه وقاموا بنصرته، فقام من الكرك ودخل الشام وتسلطن بها، وخطب باسمه على المنابر.

وكان المظفر قد أعد تجريدة من الجند لقتاله، فلما بلغهم الخبر لم يسيروا إليه، ورجعوا من ثانى يومهم إلى القاهرة، فاضطرب أمر المظفر، وخلع نفسه من الملك، وأشهد على نفسه، وأرسل الأشهاد إلى الناصر، وسأله أن يعيّن له موضعا يقيم به، إلا أنه مع ذلك لم يستقر به قرارا، فاستعدّ للهرب، وأخذ ما قدر عليه من المال والخيل والمماليك، ونزل من القلعة، فوقف له العامة عند باب القرافة، يسبّونه ويرجمونه، فشغلهم بشئ من المال نثره عليهم، وتخلّص منهم بذلك، وسار يريد الشام. وكان الناصر قد دخل مصر واستولى على سلطنتها، فبعث من قبض على المظفر بقرب غزة، وأحضره مقيدا بالحديد، وقتله فى ذى القعدة سنة تسع وسبعمائة.

***

[السلطنة الثالثة للملك الناصر محمد بن قلاوون]

وصفا الملك فى مصر والشام للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون. وكان عود السلطنة إليه هذه المرة فى أول شوّال سنة تسع وسبعمائة، وهى سلطنته الثالثة. فقام بأعباء الملك وطلب منه الأمير سلار نائب السلطنة أن يعفيه من النيابة، وأن يقيم بالشوبك، لأنها من إقطاعه، فأجابه لذلك، وخرج من يومه إلى الشوبك.