هذا الجامع أنشأه وشيده المرحوم الحاج محمد على باشا القوللى مؤسس العائلة المحمدية الخديوية بمصر. بدأ فى عمارته سنة ست وأربعين ومائتين وألف هجرية بعد أن أتم تنظيم القطر المصرى وفرغ من الأعمال الجسيمة النافعة التى نوهنا بذكر بعضها فى مقدمة هذا الكتاب.
وقد اختار لبناء هذا المسجد/قلعة مصر لانتفاع أرباب الدواوين والسرايات بإقامة الصلوات والشعائر الإسلامية فيه، حيث إن جميع الدواوين وأغلب المصالح فى عهده كانت بالقلعة؛ فأعد لذلك قطعة أرض متسعة الفضاء بها آثار مبان باقية كانت لبعض الملوك السالفة؛ فأمر بإزالتها وإزالة ما بها من الأتربة حتى وصل إلى أرضها الأصلية الصحيحة ووضع أساس مسجده عليها، وبنى جدرانه بالحجارة العظيمة الهائلة التى طول كل حجر منها يبلغ ثلاثة أمتار ونصفا تقريبا، وصاروا يضعون فى كل حجرين قضيبا من حديد ويسبكون عليهما بالرصاص حتى ارتفعت الأساسات جميعها بهذه المثابة إلى أن صعد على وجه الأرض، ورسموا المسجد بهيئة فى غاية الحسن على رسم مسجد فى الاستانة العلية يقال له: نور عثمان وجامع سيدى سارية بالقلعة، وأقامو بنيانه بالكيفية السالفة الذكر بالحجر النحيت إلى أن ارتفعت الحيطان، وعمل له أربعة أبواب من الجهة البحرية بابان: أحدهما للصحن والثانى للقبة. ومن الجهة القبلية بابان أيضا، ورصوا فى وجه حيطانه المبنية بالحجر رخاما من المرمر النفيس بارتفاعها من داخل وخارج؛ فالداخل من باب القلعة الشهير بباب الدريس يجد رحبة متسعة بها بابا المسجد والقبة فى مقابلة الداخل؛ فالذى يدخل منه إلى الصحن مكتوب عليه بالرخام حفرا قوله تعالى: ﴿(إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)﴾ (١) محلاة بالذهب وعتبته من الرخام وبابه خشب قديم ومحل الشعاع خشب أيضا وارتفاع الباب المذكور أربعة أمتار وشعاعه الذى هو من الخشب ارتفاعه متر وغلظ الحائط متران.
وأما الصحن المذكور فطوله سبعة وخمسون مترا وعرضه خمسة وخمسون مترا ومسطحه ثلاثة آلاف ومائة وخمسة وثلاثون مترا، ويشتمل على خمسة أواوين يعلوها فى الدائر سبعة وأربعون قبة مركبة على عمد من الرخام المرمر طول كل عمود ثمانية أمتار