للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عساكر السلطان، وقتل كثير منهم، فاستمر القتال فى المدينة ثلاثة أيام، فقتلوا الرجال، وسبوا البنين والبنات، وافتضّوا الأبكار، وهتكوا الأعراض، وأحرقوا الدور، وقلّعوا الأشجار، وأسرفوا فى القتل فى جميع البلاد، حتى قيل إنه بنى من الرؤوس عشر منارات، دور كل منارة عشرون ذراعا فى مثلها ارتفاعا، وجعلوا الوجوه منها بارزة، تذرّى عليها الرياح، وتركوا الجثث للكلاب والوحوش.

ويقال إن قتلى مدينة حلب بلغوا نحوا من عشرين ألف نفس. وكذا فعل بحماة ودمشق، وأحرقها عن آخرها، ولما أراد الرحيل عن دمشق جمعوا له أطفال المدينة الذين أسر أهلهم، وأكبرهم ابن خمس سنين، ليرقّ لهم، وكانوا نحو عشرة آلاف نفس، فأمر تيمورلنك عساكره أن يسوقوا عليهم بالخيل، فساقوا عليهم حتى أتوا على آخرهم.

كل ذلك والسلطان فرج فى لهوه وشربه وحظوظه مع الملاح والندماء.

وتوقف النيل، وحلّ الوباء والغلاء بديار مصر، حتى قيل إن أهل الصعيد باعوا أولادهم.

وقد سخط الأمراء على السلطان، وسخط عليهم، فثارت الفتن فى كل جهة، وهاجت عرب الشرقية، وكثر النهب، واستمرّ ذلك إلى سنة ثمان وثمانمائة، فقام بيبرس على السلطان وأراد أن يفتك به فهرب.

***

[تولية السلطان عبد العزيز، ثم رجوع السلطان فرج للسلطنة ثانيا]

وأقام بيبرس بدله السلطان عز الدين عبد العزيز أخا الناصر فرج، وعمره عشر سنين، وتلقّب بالملك المنصور، ولم يبق فى السلطنة إلا نحو شهرين.

وفى مدته صار بيبرس هو الأتابكى، وبيده الحل والعقد، وليس للمنصور غير الاسم، وانخفضت كلمة المعز السيفى بشتك الدوادار، فعزّ عليه ذلك، وحزّب الأحزاب.

وكان الناصر فرج مختفيا فظهر، وافترقت الأمراء والعساكر فرقتين، ووقع الحرب بينهما فى الرميلة وقرميدان وأطرافهما، فقتل خلق كثيرون، ثم انهزم بيبرس.

ورجع السلطان الناصر فرج للسلطنة ثانيا، ورسم لأخيه عز الدين بالدخول فى دور الحرم، وعيّن المقر السيفى تغرى بردى أتابك العسكر، وقبض على أكثر الأمراء المتعصبين، وعلى بيبرس، وأرسلهم إلى سجن الإسكندرية. والتفت إلى مماليك أبيه، فصار يذبح منهم بيده كل ليلة نحو العشرين.