وأكثر من الشرب والفسق، فهرب أكثر مماليك أبيه، ورفع الأمير شيخ المحمودى لواء العصيان بالشام، والتف عليه كثير من الناس، وكان معهم الخليفة المستعين بالله العباسى والقضاة الأربعة، فتوجه إليه السلطان الناصر فرج بجيش جرار، فالتقى الجمعان فى ضيعة من الشام تعرف باللجون، ففارق الناصر من كان معه وخذلوه، فهرب فلحقوا به، وقبضوا عليه، وحبس فى برج بقلعة دمشق، ثم دخل عليه جماعة من الفداوية وقتلوه بالخناجر، فلما أصبح الصباح ألقى على مزبلة خارج البلد، فبقى على هذه الحالة ثلاثة أيام، ثم دفن بمقبرة دمشق.
فكانت مدته بالبلاد المصرية والديار الشامية ثلاث عشرة سنة وشهورا، وله من العمر نحو ست وعشرين سنة، وخلّف من الأولاد خمسة ذكور وأربع إناث، وكان شجاعا مقداما، غير أنه كان سفّاكا للدماء، مسرفا على نفسه، منهمكا على شرب الخمور، وسماع الزمور، كثير الجهل، قليل الدين.
وله من المبانى بالقاهرة مدرسة تجاه باب زويلة، عرفت بالدهيشة، وعمّر الجامع الذى فى داخل الحوش السلطانى بالقلعة، وجدد بالدهيشة التى فى القلعة أشياء كثيرة، وعمّر الربعين اللذين بقرب جامع الصالح خارج باب زويلة، وغير ذلك من المبانى.
وفى أيامه احترق نحو الثلث من الحرم الشريف بمكة المعظمة، وأتت النار على أكثر من مائة وثلاثين عمودا، وعلى باب العمرة، فبعث بعشرة آلاف دينار صرفت على عمارته، وعملت العمد من الآجرّ الأسود عوضا عن الرخام، لتعذر وجود الرخام وقتئذ.
وكان المتولى أمور المملكة الأمير سعد الدين إبراهيم بن عبد الرزاق بن غراب الإسكندرانى، واستولى على كثير من الوظائف، فكان ناظر الخاص، وناظر الجيوش، واستادار السلطان، وكاتب السر، وأحد أمراء الألوف الأكابر، فتصرّف فى الأمور أسوأ تصرف، وهو ممن تسبب فى تخريب إقليم مصر، فإنه ما زال يرفع قيمة الذهب، حتى بلغ صرف الدينار مائتين وخمسين درهما من القلوس. بعد ما كان صرفه خمسة وعشرين درهما منها، ففسدت بذلك معاملة الإقليم، وقلّت النقود، وغلت الأسعار، فساءت أحوال الناس، وزالت البهجة، وانطوى بساط الرقة.
وانقطعت رواتب اللحم وغيرها، حتى عن مماليك الطباق، مع قلّتهم، ورتّب للواحد منهم عشرة دراهم من الفلوس، فصار غذاؤهم غالبا الفول المسلوق عجزا عن شراء اللحم ونحوه.