وكان السالك فيه أيضا يبصر على بعد البركة المعروفة ببركة الرطلى التى ذكرناها فى زماننا ثم إنها ردمت بعد إزالة التلول المذكورة، وانتظمت هذه الخطة من ابتداء ترعة الإسماعيلية إلى سور البلد عرضا ومن جامع أولاد عنان إلى بوابة الحسينية طولا، وبيعت الأرض المملوكة للحكومة، وبنى فيها وفى غيرها من أرض الأهالى مبان هائلة، وقصور فاخرة، تحيط بها بساتين نضرة، وحدائق مستحسنة، وانقسمت إلى حارات منتظمة، وشوارع معتدلة فأصبحت نزهة للناظرين، وبهجة للطالبين، وكثرت الرغبة فى سكناها لحسن موقعها وجودة هوائها، وارتفعت قيمتها حتى بلغ ثمن المتر المسطح فى أرضها نحو الثمانين قرشا ميرية بعد أن كان لا يساوى قرشا واحدا.
[[أسوار القاهرة]]
وبالتأمل فيما ذكره المقريزى فى ترجمة سور القاهرة، يعلم أن السور القريب من هذا الشارع هو من بناء بهاء الدين قراقوش فى زمن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب، لأنه ذكر أن القاهرة منذ أسست عمل سورها ثلاث مرات:
السور الأول كان من لبن، وضعه القائد جوهر على مناخه الذى نزل به هو وعساكره حيث القاهرة الآن، فأداره على القصر والجامع، وذلك أنه لما سار من الجيزة بعد زوال الشمس من يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة بعساكره، وقصد إلى مناخه الذى رسمه له مولاه المعز لدين الله، واستقرت به الدار اختط القصر، وأصبح المصريون يهنئونه فوجدوه قد حفر الأساس فى الليل، فأدار السور اللبن وسماها المنصورية، إلى أن قدم المعز من بلاد المغرب إلى مصر، ونزل بها فسماه القاهرة، ويقال فى سبب تسميتها أن المريخ كان فى الطالع عند ابتداء وضع الأساس وهو قاهر الفلك، فسموها القاهرة، واقتضى نظرهم أنها لا تزال تحت القهر، وأدخل فى دائر هذا السور بئر العظام، التى هى الآن بالجامع الأقمر بخط بين القصرين، ثم قال: وجعل القاهرة حارات للواصلين صحبته وصحبة مولاه المعز، وعمّر القصر بترتيب ألقاه إليه المعز، ويقال إن المعز لما رأى القاهرة لم يعجبه مكانها وقال لجوهر: لما فاتك عمارة القاهرة بالساحل كان ينبغى عمارتها بهذا الجبل-يعنى سطح الجرف الذى يعرف اليوم بالرصد المشرف على جامع راشدة.