ولم تزل تمتد، إلى أن زالت دولة الأكراد، وقامت بعدهم دولة الأتراك وأولهم أيبك التركمانى، فلم يعتر سير العمارة فتور، بل لم تزل تزداد، حتى عمرت جهة الحسينية، وباب اللوق، وحكرت بعض البساتين.
وكذا استمر سير العمارة فى دولة الجراكسة بعدهم، وحصل بها كثير من الرونقة والتحسين، وحدثت القباب الجركسية العظيمة، والقاعات المصرية، فبنى السلطان حسن قاعة البيسرية، وأتمها سنة تسعين وسبعمائة، وكان ارتفاعها عن وجه الأرض ثمانية وثمانين ذراعا، وعمل بها برجا لمبيته من العاج والآبنوس المطعم، وبابا ينزل منه إلى الأرض كذلك، وقبة بعقد مقرنص قطعة واحدة يكاد الناظر إليها أن يندهش حسنا، وجعل شبابيكه ودرابزينه وشرفاته من الذهب الخالص. وأما ما جعل فى هذه القاعة من نحو الفرش والآنية فشئ لا يحصره القلم، فمن ذلك تسعة وأربعون ثريا برسم وقود القناديل، جملة ما فيها من الفضة المضروبة مائتان وعشرون ألف درهم، وكلها مطلية بالذهب.
وعمر الصالح عماد الدين اسماعيل بن محمد بن قلاوون الدهيشة سنة خمس وأربعين وسبعمائة لما بلغه أن الملك المؤيد صاحب حماة عمر بها دهيشة لم يبن مثلها، فقصد محاكاته وبعث بجيج المهندس مع بعض الأمراء للنظر فى دهيشة حماة، وكتب لنائبى حلب ودمشق أن يحملا على الجمال ألفى حجر أبيض ومثلها أحمر، فأرسلت إلى قلعة الجبل، وصرف على كل حجر من دمشق ثمانية دراهم، ومن حلب اثنى عشر، واستدعى لها الرخام العجيب، وأحضر له برعة الصناع، وبلغ مصروفها خمسمائة ألف درهم، سوى ما جلب من الجهات المتقدمة وغيرها، وفرشها بما يجل وصفه من أنواع الفرش.
وكذا عمر الناصر بن قلاوون سبع قاعات تشرف على الميدان وباب القرافة أسكنها سراريه، وكنّ ألف وصيفة، ومائتين من المولدات، ومن غيرهن كثير.
وكذا بنى الأشرف خليل الرفرف مشرفا على الجيزة كلها، وبيّضه وجعل فيه صور الأمراء والخواص، وعقد له قبة على العمد، وزخرفها بأنواع الزينة، وجعله مجلسا له، وجلس فيه من بعده من السلاطين، إلى أن هدمه الناصر بن قلاوون.
[[عمارة المساجد والمدارس]]
ولما تغيرت هيئة المبانى الخاصة - كما علمت - تغيرت هيئة المبانى العامة، كالمساجد والمدارس.
فإن المسجد أولا، إنما كان عبارة عن مكان مفروش، مبنيا بالطوب جما، بلا منارة ولا منبر ولا محراب، مفروشا بالحصباء والرمل، فجعلوه من أفخم الأبنية وأرفعها، وبنوه