واعتقلهم فى خرانة البنود، وتولى عقوبتهم بيبرس الجاشنكير، وآل بهم الأمر إلى أن قطعت أيديهم وأرجلهم وعلّقت فى أعناقهم، وشهروا فى مصر والقاهرة. وحصلت فتنة من مماليك الأشرف، فأمسك منهم نحو ثلثمائة، وقطعت أيديهم وأرجلهم، وصلبوا عند باب زويلة، ثم إن كتبغا استصغر السلطان الناصر، وطمع فى الملك، فقام عليه، وأنزله عن سرير ملكه، واعتقله، وذلك فى افتتاح سنة أربع وتسعين وستمائة.
***
[سلطنة الملك العادل كتبغا]
وعند ذلك استبد بالسلطنة الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورى المذكور. وكان أحد مماليك الملك المنصور قلاوون، فحصل للناس فى زمنه مالا يوصف من الشر، لأن مد النيل فى أيامه قصر، واشتد الغلاء المفرط، حتى أكل الناس الجيف، وبلغ ثمن الإردب من القمح مائة وسبعين درهما نقرة عبارة عن ثمانية مثاقيل ونصف مثقال من الذهب، وأكلت الكلاب والحمير والخيل والبغال، وحصل الوباء بشدة عظيمة، حتى طرحت الموتى فى الطرق.
وفى زمن كتبغا قدمت طائفة الأويراتية سنة خمس وتسعين وستمائة، وهم طائفة من المغل حضروا فرارا من ملكهم غازان بإذن السلطان كتبغا، كما قدم غيرهم، فإنه لما تغلب التتار على ممالك الشرق والعراق، وجفل الناس إلى مصر، نزلوا بالحسينية، وعمروا بها المساكن. ونزل بها أيضا أمراء الدولة، فصارت من أعظم عمائر مصر والقاهرة. واتخذ الأمراء بها من بحريها، فيما بين الريدانية - وهى العباسية - إلى الخندق - وهى قرية سيدى الدمرداش - مناخات الجمال واصطبلات الخيل، ومن ورائها الأسواق والأماكن الكثيرة.
وصار أهلها يوصفون بالحسن، خصوصا لما قدمت الأويراتية، فازدادت العمارة بهذه الجهة.
وعمرت أيضا جهة الصليبة فى أيامه، وسبب ذلك أنه فى سنة خمس وتسعين وستمائة كان الناس فى أشد ما يكون من غلاء الأسعار، وكثرة الوباء، والسلطان خائف على نفسه، ومتحرز عن وقوع فتنة، وهو مع ذلك ينزل من قلعة الجبل إلى الميدان الظاهرى بطرف اللوق، فحسن بخاطره أن يعمل اصطبل الجوق (الذى كان مشرفا على بركة الفيل قبالة الكبش بمحل الحوض المرصود، وكان برسم خيول المماليك السلطانية) ميدانا عوضا عن ميدان اللوق، وأمر بإخراج الخيل منه، وشرع فى عمله ميدانا، وبادر الناس من حينئذ إلى بناء الدور بجانبه.
وكان أول من أنشأ هناك الأمير علم الدين سنجر الخازن - فى الموضع الذى عرف اليوم بحكر الخازن، وهو شارع نور الظلام. وتلاه الناس والأسراء فى العمارة، وصار السلطان