للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليتحدث معهم، فذهبوا بهم إلى بيت قائم مقام بدرب الجماميز، وهناك عروهم من ثيابهم وطلعوا بهم إلى القلعة فسجنوهم إلى الصباح فأخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم خلف القلعة، وتغيب حالهم أياما، وفى ذلك ركب بعض المشايخ إلى مصطفى بيك كتخدا الباشا ليذهب معه إلى سر عسكر للشفاعة فى المسجونين، ظنا منه أنهم فى قيد الحياة فركب معه وكلموه فقال لهم الترجمان: اصبروا. وذهب فى أشغاله فانصرفوا، ثم حضر عدة من الفرنسيس ووقفوا بحارة الأزهر فأغلق الناس الدكاكين وتسابقوا للهروب، فذهب بعض المشايخ وأخبر سر عسكر فمنع العساكر وفتح الناس الدكاكين وسكن الحال.

ومن ذلك أنه لما توجه بونابرت إلى الشام بعد استيلائه على مصر استولى على مدينة العريش وغزة وخان يونس، ورد الخبر إلى مصر فعمل الفرنساوية شنكا وضربوا عدة مدافع من القلعة والأزبكية، وحضر عدة منهم راكبين الخيول، وبعضهم مشاة، وعلى بعضهم عمائم بيض، وعلى جماعة برانيط ومعهم نفير ينفخون فيه وبيدهم بيارق كانت عند المسلمين بقلعة العريش، إلى أن وصلوا إلى الجامع الأزهر واصطفوا ببابه رجالا وركبانا، وطلبوا الشيخ الشرقاوى وأمروه برفع تلك البيارق على منارات الجامع الأزهر، فنصبوا بيرقين ملونين على المنارة الكسيرة ذات الهلالين عند كل هلال بيرقا وعلى منارة أخرى بيرقا، وضربوا عدة مدافع بهجة وسرورا وكان ذلك ليلة عيد الفطر، وعند الغروب ضربوا مدافع إعلاما بالعيد (إلى آخر ما هو مبسوط فى تاريخ الجبرتى وذكرنا بعضه فى عدة مواضع كناحية إنبابة والمطرية والطويلة والعريش).

[نادرة عجيبة]

وفى المحرم افتتاح سنة خمس عشرة ومائتين وألف وقعت نادرة عجيبة، وهى أن سر عسكر الفرنساوية [كليبر] (١) كان واقفا فى بستان داره بالأزبكية وصحبته أحد خواصه، فدخل شخص يوهم أن له حاجة وضربه بخنجر فشق بطنه وفر هاربا، ففتشوا عليه حتى أخرجوه من بئر فوجدوه شاميا، فسألوه فخلط فى كلامه فعاقبوه وحرقوا يديه بالنار فقال لهم:

لا تظلموا أهل مصر، فأنا من جملة جماعة بعنا أنفسنا للموت، واتفقنا على قتل رؤسائكم.

فقيل له: أين كنت تأوى؟ فقال: عند فلان وفلان برواق الشوام بالجامع الأزهر، ولا يدرون حالى. فأحضروا الشيخ/الشرقاوى والعريشى وألزموهما بإحضار الذين كان يأوى إليهم وهم أربعة، ثم ركبوا إلى الأزهر وصحبتهم أغات الإنكشارية وقبضوا على ثلاثة ولم يجدوا


(١) فى الاصل: كابر.