وبالفعل أخذ الفرنساويون فى أهبة السفر، وأخلوا القلاع، لكن لما قدّر فى علم الله لم يدخلها العثمانيون، واكتفوا بدخولهم المدينة، واشتغلوا بالنهب والسلب، وحصل بين بعض الفرنساويين والأتراك بعض مناوشات تجر إلى القتل، لولا أن تداركها الأمراء، فحصل الاتفاق على خروج العثمانيين، وإقامتهم خارج البلد، حتى تتم المدة المتفق عليها.
وتم الأمر على ذلك، ولكن لم يمض غير قليل، حتى وصل الخبر للفرنساويين بعدم رضا الإنكليز بهذه الشروط، وبلغ ذلك العثمانيين، ولكن لم يستعدوا لما عساه يحدث، أما الفرنساويون فرجعوا بالتدريج إلى القاهرة، وقاموا برجالهم إلى قبة النصر، وهجموا على الأتراك، وهم فى غفلتهم، فقتلوا منهم كثيرا، ورجع الباقون إلى جهة الصالحية وهم يسوقونهم.
[[ثورة القاهرة الثانية]]
وكان نصوح باشا داخل المدينة من خلف الجبل مع كثير من الأتراك والعرب، وهيّج الناس، وحرّضهم على القيام على الفرنساويين، فانضم إليه كثير، وهجموا على من بقى من الفرنساوية فى جهة الأزبكية وغيرها، وانتصب القتال بينهم، فبينما هم على ذلك إذ رجع العساكر الذين سافروا خلف العثمانيين، فحاصروا القاهرة وبولاق، ونهبوا أغلب دور الحسينية وهدموها، وكذا قرية الدمرداش وما حولها، ومنعوا الاتصال بين المدينة والخارج، ووجهوا المدافع عليها، وصار الهجوم منهم على أخطاط البلد، واستمر ذلك عشرة أيام.
وبعد ذلك نصب الفرنساويون بيرق الصلح فى الأزبكية، وتوجه عندهم بعض المشايخ، ففهموهم أن هذه الحرب مبنية على غير أسباب موجبة، ومضربهم، وطلبوا منهم نصيحة الأهالى، ورجوعهم للطاعة، والتزموا لهم بالعفو العام.
فلما رجع المشايخ وتكلموا بذلك، لم يسمع قولهم، واستمرت الحرب، ولم تنته إلا بعد سبعة وثلاثين يوما خرب فيها خط الأزبكية، وخط الساكت إلى بيت الألفى وخط الفوالة وخط الرويعى، إلى حارة النصارى، وخربت أغلب حارات بولاق أيضا من الحرق والهدم، وجهة بركة الرطل وباب البحر.
وانتهت هذه النازلة، بتقرير مبلغ مليونين من الريالات الفرنساوية على الأهالى، فحصل لهم غاية المضايقة فى تحصيلها، وأهانوا الأعيان والمشايخ، وضرب «السادات»، وحبس، وأخذت منه أموال جمّة، ونهبت عدة بيوت من بيوت الأمراء، وصودر كثير منهم.