من المعلوم أن أرض الديار المصرية لا يحصل منها فلاحوها على محصول إلا إذا غمرها ماء النيل، فحينئذ لا تكون الأموال المضروبة عليهم إلا على ما غمر منها بالماء؛ لأنه لا يتحصل من غيره على شئ ما. ومن هنا يعلم السبب الذى جعل حكامها ومتولى أمورها فى جميع الأزمان يبذلون مجهودهم فى قياس درجة فيضانه فى كل سنة، بغاية الضبط والدقة فى مواضع كثيرة من وادى النيل من أعلاه إلى أسفله؛ لأن القياس المذكور هو القاعدة فى ربط المال وتوزيعه على البلاد. ويظهر من أقوال مؤرخى الروم وغيرهم أن المصريين فى الأزمان الغابرة كانوا يقيسون ارتفاع الفيضان بمقياس «نقالى» وهو عبارة عن خشبة أو قصبة مقسومة إلى أقسام معلومة فى طرفها حلقة أطلقت عليها المؤرخون المذكورون اسم «نيلومتر» أو «نيلو أسكوب» والأول: مركب من كلمتى «نيل» اسم النهر. ومن «متر» يعنى:
قياس. والثانى: من «نيل» اسم النهر ومن: «أسكوب» يعنى: «رصد» ولا عتنائهم بالنيل كانت آلة المقياس تودع فى معبد له يطلق عليه اسم «سيرابيس» وكانت كهنته لا غيرهم هم المخصصون لاستعمالها فى أوقاتها.
وقال بعض العارفين بلغة المصريين القديمة إن كلمة سيرابيس مركبة من كلمتى «سيرا» و «أبيس» والأولى: قياس. والثانية: النيل.
وبناء على ذلك يكون المعبد المذكور «معبد النيل»، ولا يخفى أن المصريين كانوا يقدسون النيل، ويجعلون له قسسا وأعيادا ومواسم. وفى الكتابة القديمة المنقوشة على جدران المبانى الباقية إلى الآن تشاهد رسوما كثيرة مختلفة يظن أنها صور آلة المقياس النقالية فى المدد القديمة قبل أن يجعلوها ثابتة كما هى الآن فى أيامنا فمن الرسوم المذكورة ما هو بهذا الشكل عبارة عن خشبة فى آخرها أخرى صغيرة. أو بهذا الشكل