للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوزير الصاحب (١)

تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير الصاحب بهاء الدين على بن سليم بن حنّا، ولد فى سابع شعبان سنة أربعين وستمائة، وسمع من سبط السلفى، وحدّث وانتهت إليه رياسة عصره، وكان صاحب صيانة وسؤدد ومكارم وشاكلة حسنة وبزة فاخرة إلى الغاية، وكان يتناهى فى المطاعم والملابس والمناكح والمساكن، ويجود بالصدقات الكثيرة مع التواضع، ومحبة الفقراء وأهل الصلاح والمبالغة فى اعتقادهم، ونال فى الدنيا من العز والجاه ما لم يره جدّه الصاحب الكبير بهاء الدين، بحيث إنه لما تقلد الوزير الصاحب فخر الدين ابن الخليلى الوزارة سار من قلعة الجبل وعليه تشريف الوزارة إلى بيت الصاحب تاج الدين وقبّل يده وجلس بين يديه ثم انصرف إلى داره، وما زال على هذا القدر من وفور العز إلى أن تقلّد الوزارة فى يوم الخميس الرابع والعشرين من صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة بعد قتل الوزير سنجر الشجاعى فلم ينجب وتوقفت الأحوال فى أيامه حتى احتاج إلى إحضار تقاوى النواحى المرصدة بها للتحضير واستهلكها، ثم صرف فى يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وستمائة بفخر الدين عثمان بن الخليلى، وأعيد إلى الوزارة مرة ثانية فلم ينجح وعزل، وسلّم مرة للشجاعى فجرده من ثيابه وضربه شيبا واحدا بالمقارع فوق قميصه ثم أفرج عنه على مال، ومات فى رابع جمادى الآخرة سنة سبع وسبعمائة ودفن فى تربتهم بالقرافة وكان له شعر جيد، ولله در شيخنا الأديب جلال الدين محمد بن خطيب داريا الدمشقى البيسانى حيث يقول فى الآثار:

يا عين إن بعد الحبيب وداره … ونأت مرابعه وشط مزاره.

فلقد ظفرت من الزمان بطائل … إن لم تريه فهذه أثاره.


(١) من ألقاب الوظائف. وقد استعمل مضافا إلى ياء النسب «الوزيرى» كلقب فى عصر المماليك، وكان يرد ضمن ألقاب الوزراء من العسكريين والمدنيين على السواء؛ فإن كان من المدنيين ذكر لقب «الصاحبى» وإن كان من العسكريين سبقه لقب «الأميرى».
راجع (المصدر السابق نفسه ص ٣٦٧ و ٥٤٠).