للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وميافارقين، وأخرج المنصور وإخوته من القاهرة إلى الرها، واستناب ابنه الملك الكامل محمد عنه، وعهد إليه بالسلطنة بعده، وحلف له الأمراء، وأخذ فى تدبير مملكته وإعلاء شأنها بمحاربة أعدائها والدفاع عنها. واشتهر بالجسارة والحزم والصبر على الأهوال والإقدام، لا يثنى عزيمته خطب، وكان حليما كريما، جزيل العطاء. ومات سنة خمسة عشرة وستمائة وله من العمر خمس وسبعون سنة، منها على تخت سلطنة مصر تسع عشرة سنة. وفى أيامه كثرت العمارة فى القاهرة وضواحى القلعة.

***

[سلطنة الملك الكامل ناصر الدين محمد بن المنصور]

والذى خلفه على دست السلطنة ابنه الكامل ناصر الدين محمد، وهو الذى أتم بناء قلعة الجبل، وأنشأ بها الدور السلطانية فى أثناء نيابته عن أبيه سنة أربع وستمائة. فلما استبد بالملك بعد أبيه انتقل من دار الوزارة الكبرى إليها، وهو أول من انتقل من دار الوزارة من الملوك وسكن بالقلعة، وجعلها منزلا للرسل، ونقل سوق الخيل والجمال والحمير إلى الرميلة تحت القلعة، فأخذت من حينئذ الناس فى تعمير ما حولها من الدرب الأحمر والمحجر وجهة القطائع والصليبة، بعد أن كان بعضها مقابر وبعضها بساتين، كما تقدم بعضه، ويأتى باقيه فى محله.

وهو الذى أنشأ دار الحديث بالقاهرة، وعمر القبة على ضريح الإمام الشافعى ، وأجرى الماء من بركة الحبش إلى حوض السبيل على باب القبة المذكورة، ووقف أوقافا كثيرة على أنواع من البر. وكان معظما للسنّة وأهلها.

ومما تدوّن فى محاسنه أنه كتب إليه بعض عماله رقعة يخبره أن المرتب على بيت المال فى كل سنة مائة ألف دينار وسبعون ألف دينار صدقة، وذلك خلل فى بيت المال، فكتب على ظهر الرقعة:

«الغربة تذل الأعناق، والفاقة مرة المذاق، والمال مال الله، وهو الرزاق، فأجر الناس على عادتهم فى الاستحقاق. ما عندكم ينفد، وما عند الله باق. وإنّا لا نحب أن يؤرخ عنا المنع، وعن غيرنا الإطلاق. والآثار الحسنة من مكارم الأخلاق، وإليكم هذا الحديث يساق».

وكان كثيرا ما يتمثل ببيتى حاتم:

شربنا بكأس الفقر يوما وبالغنى … وما منهما إلا سقانا به الدهر

فما زادنا بغيا على ذى قرابة … غنانا، ولا أزرى بأحسابنا الفقر