وهذا آخر ما أردنا ذكره من الكلام على ما بقى فى مدينة طيبة، من آثار مساكن الأحياء، فيجب أن ننتقل إلى التكلم على مقابر الأموات، أو مدينة الأموات حسبما كان يسميها به مؤرخو اليونان، فنقول: إن هذه المقابر كانت قريبة من المدينة، وكان كل من دخلها لا يكاد يبرح منها، فلذا كانت دائما آخذة فى الزيادة، وطيبة آخذة فى النقص، حتى اعترى طيبة الخراب دونها، وكان المصريون يعتقدون أن الروح لا تفارق الجثة ما دامت باقية، فبذلوا جهدهم فى اتخاذ قبور لا تغيرها الأيام، فالفراعنة الأول أحدثوا الأهرام، ومن جاء بعدهم اختاروا الجبال، فحفروا فيها مغارات واتخذوها قبورا خوفا من أن يسطو الدهر على الأهرام، فيدمرها ويخربها فمقابر/الأمراء والأعيان، فى الجبل الكائن فى مقابلة طيبة من جهة الغرب، ولا يعلم فى أى موضع كانت تدفن الفقراء والأهالى، هل فى موضع من الجبل غير هذا لم يصر فتحه، أو فى جبل غير هذا، وكانت قبور الفراعنة بعيدة عن الأحياء مخفية عن الأعين، ومن أراد الوصول إليها يفارق الجبل الغربى، ويدخل واديا قفرا كأنما هو صورة الموت نفسه، فيجد جبلا جعلت هؤلاء الفراعنة قبورها فى صخوره، كل قبر منها كناية عن سراى مشتملة على عدة قاعات، أو منقسمة إلى طبقات بعضها فوق بعض، يدخل إليها من دهاليز ضيقة، وفى داخلها الكتابات الملوّنة بالألوان النضرة من دون أن يعتريها عوارض الدهر. وقال مرييت بك: إن الإنسان إذا أراد الوصول إلى مقابر بيبان الملوك، فبعد أن يتجاوز معبد القرنة، يرى فى حال سيره على يمينه تلولا بها حفر كثيرة، وهى المعروفة عندهم بذراع أبى النجاء، وهى أقدم مقابر طيبة، وبها قبور العائلة الحادية عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة، وأن قبر الملك (أنتيف) من العائلة الحادية عشرة، كان فى هذا الموضع، والجرن الذى كانت به جثته، يوجد الآن فى باريس، وبهذا الموضع أيضا قبر الملكة (عاهوتيب) وقلائدها ومصاغاتها التى عثر عليها هناك، هى الآن فى خزانة التحف ببولاق، ويظهر أن الإهتمام فى