للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الديار المصرية، فزالت تلك الأكدار، وتغيرت هذه الأحوال كما سنقصه عليك فى محله.

[مطلب عدد من تولى مصر من الأتراك والجراكسة]

وفى رحلة (ولين) الفرنساوى نقلا عن (ابن مرعى) أن الذى تولى الملك من الأتراك ٢٤، ومن الجركس مثلهم فالكل ٤٨، وأن مدة حكمهم جميعا ٢٦٣ سنة (١)، فتكون مدة الواحد بالتوسط ٥ سنين ونصفا تقريبا. ومن غريب الاتفاق أن الذين ماتوا بالقتل من التركمان (٢) ١١، والذين عزلوا/ستة، وبالعكس فى الجركس، فإن الذين ماتوا بالقتل منهم ٦، والذين عزلوا ١١.

وتولى من حين استيلاء السلطان سليم، إلى دخول الفرنساوية ٧٢ باشا، فى مدة ٢٨٧ سنة، فلو جمعت حكام مصر من إنتهاء حكم البطالسة لوجدتهم ٢٠٠ حاكم، كل منهم له سير مخصوص. وفى تلك المدد كان الغالب عدم النظر، لرفاهية الأهالى وعمار بلادهم، وإن حصل ذلك واستقامت الأحوال فلا يكون إلا بعض سنين ثم يتغير.

ومن كثرة الفتن الداخلية وإهمال المصالح العامة، تعطلت أسباب الثروة والصحة، وقلت الفلاحة، وتطاولت الأيدى على جميع جهات القطر بالقتل والسلب، فقل بهذه الأسباب الأمان على النفس والمال. ومن ترك تطهير الترع والخلجان، حرمت أغلب الجهات من ماء النيل، ونشأ عن ذلك غلوّ أسعار الأقوات، بل وانعدامها فى بعض السنين، وتسلطت الأمراض، وسكن الوباء بأرض مصر، حتى صار عوده دوريا منتظما فى تلك الديار. ونزل بالناس من المصائب ما يبث الجبال، فهاجر الخلق من بلادهم، وملئت الطرق بجيف الأموات من مهاجرى المصريين.

وصار هذا الأمر شائعا فى جميع بقاع الأرض، ووصفه مؤرخو العرب والفرنج بأوصاف تفتت الأكباد، وتشيب منها الولدان.


(١) استمرت سلطنة المماليك الأتراك والجراكسة ٢٦٧ سنة. من سنة ١٢٥٠ - ١٥١٧ م.
(٢) الصحيح «الأتراك».