للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مطلب أول غلاء حصل فى مصر]

وأوّل غلاء حصل بمصر فى الإسلام سنة ٨٧ هجرية، وكان أمير مصر وقتئذ: عبد الله ابن عبد الملك بن مروان.

وبعد ذلك فى زمن الإخشيد، ثم فى زمن أبى القاسم (١) أبى الفوارس بن الإخشيد سنة ٣٣٨. وبعدها بثلاث سنين كثرت الفيران فى أعمال مصر، وأتلفت جميع الغلال والكروم، ولم يرو النيل البلاد، وغلا السعر واشتد الأمر إلى سنة ٣٤٣، وطلب القمح كل ويبتين ونصف بدينار، فلم يوجد، واستمر هذا العذاب تسع سنين متتابعة، وأمير مصر علىّ بن الإخشيد.

وفى سنة ٣٥٦ عظمت البلوى بعد موت كافور، لأنه كان مجتهدا فى تدبير الأحوال، ثم قامت الجند على الأمراء، فهلك خلق كثيرون، ونهبت الأسواق، وأحرقت مواضع كثيرة من المدينة، واختلفت العسكر، فتبع أكثرهم الحسن بن عبد الله بن طغج، وهو يومئذ بالرملة، وكاتب أغلبهم المعز لدين الله الفاطمى، وصار الهول عظيما واستمر إلى أن دخل جوهر القائد سنة ٣٥٨، وبنى مدينة القاهرة.

ولم ينقطع الغلاء إلى سنة ٣٩٠، فاشتد الوباء، وكثرت الموتى، وعجز الناس عن دفن موتاهم، فكان من مات بطرح فى النيل والطرق، واستمر هكذا إلى سنة ٣٦١. ثم نزل السعر بعض النزول، ثم غلا بعد ذلك فى أيام الحاكم بأمر الله سنة ٣٨٧، وبلغ النيل ستة عشر ذراعا.

وفى سنة ٣٩٥ لم يتم النيل ستة عشر ذراعا إلا فى آخر شهر مسرى، وعم الكرب، وتغيرت أصناف المعاملة، وكثر فيها الغش حتى وصل الدينار أربعا وثلاثين درهما، فى سنة ٣٩٧. واشتد الكرب على الناس، فصدرت الأوامر بضرب دنانير جديدة، وفى يوم واحد وزعوا عشرين صندوقا منها على الصيارف، بقصد جمع الدنانير القديمة، وأمهلوا الناس


(١) هو أبو القاسم أنوجور بن الإخشيد، المتوفى سنة ٣٤٩ هـ. أما أبو الفوارس فهو أحمد بن على بن الإخشيد، أقامه الجند فى الولاية على مصر بعد وفاة كافور الإخشيدى سنة ٣٥٦ هـ، وكان عمره حينذاك إحدى عشرة سنة.
انظر: ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج ٤، ص ١٠٥،٩٩، ج ٥، ص ٥٩.