يوم مقدمه إليها عيدا، وعمل موكب حافل مشى فيه العلماء والأمراء، من أرباب الدولة وغمر بالإنعامات.
وشاع بذلك ذكر الباشا فى الآفاق، وانتشر صيته فى جميع الأنحاء، وهابه القريب والبعيد. ووقع فى نفس الدولة من علوه أشياء، فقيل إنها أسرّت إلى لطيف بيك أمرا، ومنته الأمانى، فلما رجع إلى مصر وجد الباشا قد بارحها إلى الأقطار الحجازية، وخلفه محو بيك بجماعته، وكذا الدالى حسين، فاغتنمها فرصة على زعمه، وجعل يغرى المماليك ومن بقى من شيعتهم، فشعر به الكتخدا فاحتال حتى أوقع به وبمن معه، وأطفأ هذه الثائرة بموتهم.
وأما سبب سفّر الباشا إلى الحجاز، فإنه لما تمت له الغلبة على تلك الجهة أخذ فى تسوية أمورها، فرأى أنه لا يتسنى له ذلك إلا بعزل الشريف غالب، وعزل المذكور محفوف بصعوبات لا يقوم بدفعها سواه، لأنه إن كلف غيره بحلها، ربما أخطأ أو أفشى سره، فضاعت ثمرة نصرته، فقام بنفسه فى شوّال سنة ثمان وعشرين ومائتين وألف متوجها إلى مكة، فلما وصلها اجتمع بالشريف ولاطفه، فاطمأنّ لذلك الشريف، وصار يذهب إلى الباشا ويرجع مطمئنا، وكذا يذهب إلى بيت ابنه، إلى أن تم للباشا ما دبر، فأسرّ لابنه القبض عليه، فقبض عليه وعلى عائلته وأرسل إلى مصر، وجعل مكانه ابن أخيه الشريف يحيى ابن سرور.
ومكث الباشا بالحجاز، إلى جمادى الثانية سنة ١٢٣٠، إلى أن تم له أمره، كما تم له أمر مصر، فرجع إليها فى رجب من عامه. فكانت إقامته بالأراضى الحجازية اثنين وعشرين شهرا، ودخل تحت سلطته غالب تلك البلاد، كالطائف ومكة، والمدينة وقنفدة وجدة، وأطاعه أكثر القبائل.
[[إصلاحات محمد على الداخلية]]
وحصل هناك أمور لم يمس الغرض بتفصيلها، وإنما سردنا ما سردنا لارتباط الحوادث بعضها ببعض، وتلميحا لما كان عليه هذا الشهم من الحزم والصبر اللذين أو صلاه بقوتهما إلى أقصى المراد، مما لا يصل إليه غيره، بجمع العساكر، وحشد الأجناد، فإنه مع ما كان مشغولا به من الحروب الخارجية لم يهمل أمر الداخلية، خصوصا أمر المصاريف الباهظة لأجل التجاريد، فأخذ فى تقرير الأحوال، وترتيب الأموال، كتحرير الموازين والصنج، فإنه أنشأ ديوانا لذلك، ورتب خدما للتفتيش على الصنج، فكل ما وجدوه تاما دمغوه بمقرر،