[ذكر ما وقع بمصر من الحروب والشدائد أيام ولاية الباشاوات]
لكن لم يمض غير تسع سنين، حتى قامت العساكر على أحمد باشا، الوالى إذ ذاك، ومن معه بسبب أنه رغب فى الاستقلال، وتجاهر بالعصيان، فحصل بينه وبينهم مقتلة عظيمة فى الرميلة وما جاورها، وحاصروه فى القلعة، حتى قتلوه.
وانقضت تلك الحادثة بخراب بعض ما جاور الرميلة، ثم تولى بعده عدة ولاة، اهتم بعضهم فى عمارة بعض الجوامع، وبنى بعضهم وكاثل فى القاهرة وبولاق، وبنى داود باشا مدرسة فى سويقة اللالا سنة خمس وخمسين وتسعمائة، وبنى اسكندر باشا جامعا وأنشأ عمارة عظيمة فى باب الخرق، وقد زال كل ذلك وصار ميدانا كما قدّمنا.
وكذا سنان باشا أنشأ جامعا وعمارة جليلة فى بولاق وفى غيرها، ووقف كل منهم أوقافا دارة على عمارته، لأجل بقائها عامرة، لكن كان عادتهم أن كل من أراد وقف شئ أخذ من وقف غيره ووقفه باسمه، أو نهب ما بأيدى الناس ووقفه، فلذلك لم تستمر بعدهم، بل أخذت تلك الأوقاف فى التقهقر والخراب، حتى صارت بعضا من كل، وقلّ إيرادها، فاختل لذلك بعض تلك العمائر.
ولانحلال عرى الضبط والسياسة، اختل حال الرعية، وقلّ الأمن، وكثرت اللصوص وقطاع الطريق، وأهل الفساد فى سائر جهات القطر، حتى صاروا يدخلون البلاد للنهب جهارا ليلا ونهارا بلا مبالاة، لانتماء رؤسائهم إلى الأمراء. وكانت الحكام تكثر من الأوامر والتشديدات، بلا ثمرة ولا تأثير فى ردع المفسدين، إلى أن تولى مصر مسيح باشا فى سنة سبع وثمانين وتسعمائة، فتصدى لكسح المفسدين، وإزالة أهل الشر، فقبض على نحو عشرة آلاف منهم وقتلهم.
وفى زمن حسن باشا الخادم كثرت الرشوة للحكام، واتسع نطاقها حتى صارت أمرا معتادا يستحصل عليه بدون مبالاة.
وجعل همه فى جمع المال، فكان يحتال بكل وسيلة لتحصيله، لا يراعى حلا ولا حرمة ولم يكن له أثر قط يذكر به إلا تغيير زى اليهود والنصارى، فألبس اليهود الطراطير السود، وألبس النصارى البرانيط السود، وكان زى النصارى قبل ذلك العمائم السود، وزى اليهود العمائم الزرق.
وفى سنة أربع وتسعين وتسعمائة، قامت العساكر على الوالى عدة مرات، وعارضوه فى أوامره، ورفضوا طاعته، وأوقعوا السلب والنهب بالتجار والأهالى، واستمرت الفتن