غير ذلك. وقال جامع السيرة الصلاحية: وهذا المقسم على شاطئ النيل يزار. وهناك مسجد يتبرك به الأبرار، وهو المكان الذى قسمت فيه الغنيمة عند استيلاء الصحابة ﵃ على مصر، فلما أمر السلطان صلاح الدين بإدارة السور على مصر والقاهرة، تولى ذلك الأمير قراقوش وجعل نهايته عند المقس، وبنى فيه برجا، وبنى مسجده جامعا، واتصلت العمارة منه إلى البلد وصارت تقام فيه الجمع والجماعات.
وفى الضوء اللامع للسخاوى أن الصاحب المذكور كان نصرانيا، وكان يقال له قبل أن يسلم شمس، وكان يعرف بالمقسى نسبة للمقسم ظاهر القاهرة، جدد جامع باب البحر بحيث اشتهر الجامع به وهجرت شهرته الأولى، وهو المترجم فى سنة خمس وتسعين وسبعمائة /من أنباء شيخنا وغيره انتهى.
وفى تاريخ ابن إياس من حوادث سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، أن جماعة من النصارى كانوا يسكرون فى بيت على الخليج بالقرب من جامع المقس، فلما قوى عليهم السكر وتزايد منهم الضجيج أرسل إليهم الشيخ محمد بن عنان ينهاهم عن ذلك، وكان وقتئذ مقيما بالجامع المذكور، فلم ينتهوا وسبوا الشيخ سبا قبيحا، فطلع الشيخ عند ملك الأمراء وشكا له من النصارى، فأرسل بالقبض عليهم فهربوا، ثم قبضوا على واحد منهم فرسم ملك الأمراء بحرقه، فلما رأى النصرانى ذلك أسلم خوفا على نفسه من الحرق، فألبسوه عمامة بيضاء، واختفى بقية النصارى عند يونس النصرانى حتى خمدت الفتنة انتهى.
وفى تاريخ الجبرتى: أن الفرنساوية لما دخلوا مصر هدموا عدة مساجد منها هذا الجامع انتهى.
[ترجمة سيدى محمد بن عنان]
وفى هذا الجامع ضريح سيدى محمد بن عنان، ترجمه الشعرانى فى الطبقات فقال:
كان ﵁ من الزهاد العباد، وما كنت أمثله إلا بطاوس اليمانى أو سفيان الثورى، وكان مشايخ العصر إذا حضروا عنده كالأطفال فى حجر مربيهم، وكان يضرب به المثل فى قيام الليل وفى العفة والصيانة، وكان له كرامات عظيمة، وكان وقته مضبوطا لا يتفرغ لكلام اللغو ولا لشئ من أخبار الناس، ويقول: كل نفس مقوّم علىّ بسنة، وكنا ونحن شباب فى ليالى الشتاء نحفظ ألواحنا ونكتب بالليل ونقرأ ماضينا وهو قائم يصلى على سطح جامع الغمرى، ثم ننام ونقوم فنجده يصلى وهو متلفع بحرامه والناس تحت اللحف لا يستطيعون خروج شئ من أعضائهم، وكان يحب الإقامة فى الأسطحة، كل جامع أقام فيه عمل له فوق