ولما قتل الآمر بأحكام الله أقام برغش وهزار الملوك الأمير أبا الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبى القاسم محمد بن المستنصر بالله فى دست الخلافة، ولقباه بالحافظ لدين الله، وأنه يكون كفيلا لمنتظر فى بطن أمه من أولاد الآمر. وكان عبد المجيد قد ولد بعسقلان سنة سبع، - وقيل ثمان - وتسعين وأربعمائة لما أخرج المستنصر ابنه أبا القاسم مع بقية أولاده فى أيام الشدة، فلذلك كان يقال له فى أيام الآمر بأحكام الله (الأمير عبد المجيد العسقلانى ابن عم مولانا)، فلما أفضى إليه الأمر على ما ذكر، استقر هزار الملوك - المقدم ذكره - فى الوزارة إلى أن قام العسكر ونهبوا شوارع القاهرة، وقتلوا الوزير هزار الملوك، وولوا عوضه أبا على ابن الأفضل، وذلك كله فى يوم واحد.
واستبد أبو على بالوزارة، فقبض على الحافظ، وحبسه مقيدا، فاستمر إلى أن قتل أبو على سنة ست وعشرين وخمسمائة، فأخرج من معتقله، وأخذ له العهد على أنه ولى عهد كفيل لمن يذكر اسمه. فاتخذ الحافظ هذا اليوم عيدا سماه عيد النصر، وصار يعمل كل سنة.
ونهبت القاهرة يومئذ، وقام يانس صاحب الباب بالوزارة، إلى أن هلك بعد تسعة أشهر فلم يستوزر الحافظ بعده أحدا، وتولى الأمور بنفسه إلى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، فأقام ابنه سليمان ولى عهده مقام وزير، فلم تطل أيامه سوى شهرين ومات، فجعل مكانه ابن حيدرة، فحنق ابنه حسن، وسار بالفتنة، وانتهى أمره بالقتل.
فلما قتل حسن قام بهرام الأرمنى، وأخذ الوزارة سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وكان نصرانيا، فاشتد ضرر المسلمين من النصارى، وكثرت أذيتهم، فسار رضوان بن ولخشى، وهو يومئذ متولى الغربية، وجمع الناس لحرب بهرام، وسار إلى القاهرة فانهزم بهرام، ودخل رضوان القاهرة، واستولى على الوزارة سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، فأوقع بالنصارى وأذلّهم، فشكره الناس على ذلك، إلا أنه كان خفيفا عجولا، فأخذ فى إهانة حواشى الخليفة وهمّ بخلعه، وقال: ما هو بإمام وإنما هو كفيل لغيره، وذلك الغير لم يصح، فتوحش الحافظ منه، ولم يزل يدبر عليه، حتى ثارت فتنة انهزم فيها رضوان، وخرج إلى الشام فجمع جماعة، وعاد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، فجهز الحافظ له العساكر لمحاربته، فقاتلهم وانهزم منهم إلى الصعيد، فقبض عليه، واعتقل، فلم يستوزر الحافظ بعده أحدا.
وفى سنة اثنتين وأربعين خلص رضوان بالهرب من معتقله بالقصر، وخرج من نقب، وثار بجماعة، وكانت فتنة آلت إلى قتله.