دائما، وإذا دعا بالثالث حضر، وإلا فلا. ويؤكل جميع ما عليها، ويفرق نوالات، ثم يفرق بعده الأقسماء المصنوعة من السكر، والأفاويه المطيبين بماء الورد المبردة بالثلج وكان يجلب الثلج من السواحل الشامية.
وكانت العادة أن يبيت فى كل ليلة بالقرب من السلطان أطباق فيها أنواع من المطجنات والبوارد والفطير والقشطة والجبن المقلى والموز والسكباج، وأطباق فيها من الأقسماء والماء البارد، برسم أرباب النوبة فى السهر حول السلطان، ليتشاغلوا بالمأكول والمشروب عن النوم، ويكون الليل مقسوما بينهم ساعات، فاذا انتهت نوبة جماعة نبهت التى تليها ثم ذهبت هى فنامت إلى الصباح، هكذا أبدا سفرا وحضرا.
وبلغ مصروف سماط عيد الفطر زمن الناصر خمسين ألف درهم (عبارة عن ألفين وخمسمائة دينار)، وكان يعمل فى سماط الظاهر برقوق كل يوم خمسة آلاف رطل لحم، سوى الأوز والدجاج، وكان راتب المؤيد شيخ كل يوم ثمانمائة رطل. وسماط الأشرف برسباى بكرة وعشية ستمائة رطل.
[[العمائر الخاصة فى القاهرة]]
ولا يخفى أن بين كل مملكة وعاصمتها ارتباطا ونسبة، فعلى قدر ما يكون حال المملكة سعة وثروة، يكون أمر عاصمتها عمارة وبهجة ونظاما وحال أهلها غنى ورفاهية، وقد علم أنه من وقت أن جلس السلطان صلاح الدين على تخت مصر أخذ فى توسعة نطاقها، فألحق بها اليمن والنوبة وغيرهما، وبما كان له من السطوة والهيبة، وعلو الشأن، عظّمه ملوك الإفرنج وهابوه، مذ جلاهم عن أرض القدس وسواحل الشام، وانتصر عليهم بعزماته فى غزواته، وراسله خلفاء بنى العباس، وهاداه ملوك الأطراف، فاتسعت إذ ذاك دائرة الديار المصرية. ولميله إلى العدل، وحب الخير عمر الإقليم، وانتظم معاش أهله، وانتشر الأمن فى أنحائه، فحجّه أصحاب الأغراض، وقصده العلماء وأرباب الحرف والصنائع، وجلب إليها التجار ما غلا من البلاد القاصية والدانية، فبلغت النهاية فى الغنى والعمارة، حتى لم يبق من الرحاب التى كانت زمن الفاطميين على سعتها شئ إلا بنيت فيه الدور وغيرها من الأبنية، ثم أخذ الناس يبنون خارجها، كجهة المحجر والصليبة، وباب الخرق وشاطئ الخليج، بل أوسعوا المدى إلى مصر العتيقة وجزيرة الروضة ودير الطين والأثر، وكذا بنوا فى الرمال التى حدثت بعد بستان التكة وبستان المقس.