وأما القائد جوهر فهو-كما فى المقريزى-مملوك رومى رباه المعز لدين الله أبو تميم معد، وكناه بأبى الحسن، وعظم محله عنده فى سنة سبع وأربعين وثلثمائة، وصار فى رتبة الوزارة، فصيره قائد جيوشه، وبعثه فى صفر منها ومعه عساكر كثيرة فيهم الأمير زيرى ابن منادى الصنهاجى وغيره من الأكابر، فسار إلى تاهرت وأوقع بعدة أقوام، وافتتح مدنا وسافر إلى فاس فنازلها مدة ولم ينل منها شيئا، فرحل عنها إلى سجلماسة وحارب تاثرا فأسره بها.
وانتهى فى مسيره إلى البحر المحيط، واصطاد منه سمكا وبعثه فى قلة ماء إلى مولاه المعز، وأعلمه أنه قد استولى على ما مر به من المدائن والأمم حتى انتهى إلى البحر المحيط، ثم عاد إلى فاس، فألح عليها بالقتال إلى أن أخذها عنوة، وأسر صاحبها وحمله هو والتاثر بسجلماسة فى قفصين مع هدية إلى المعز، وعاد فى أخريات السنة وقد عظم شأنه وبعد صيته.
ثم لما قوى عزم المعز على تسيير الجيوش لأخذ مصر وتهيأ أمرها قدم عليها القائد جوهر وبرز إلى رمادة ومعه ما ينيف على مائة ألف فارس، وبين يديه أكثر من ألف صندوق من المال، وكان المعز يخرج إليه فى كل يوم ويخلو به، وأطلق يده فى بيوت أمواله، فأخذ منها ما يريد زيادة على ما حمله معه. وخرج إليه يوما فقام جوهر بين يديه وقد اجتمع الجيش فالتفت المعز إلى المشايخ الذين وجههم مع جوهر وقال: والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر، ولتدخلن إلى مصر بالأردية من غير حرب، ولتنزلن فى خرابات ابن طولون، وتبنى مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا. وأمر المعز بإفراغ الذهب فى هيئة الأرحية، وحملها مع جوهر على الجمال ظاهرة، وأمر أولاده وإخوته الأمراء وولى العهد وسائر أهل الدولة أن يمشوا فى خدمته وهو راكب، وكتب إلى سائر عماله يأمرهم إذا قدم عليهم جوهر أن يترجلوا مشاة فى خدمته، فلما قدم برقة افتدى صاحبها من ترجله ومشيه فى ركابه بخمسين ألف دينار ذهبا فأبى جوهر إلا أن يمشى فى ركابه ورد المال فمشى، ولما رحل من القيروان إلى مصرفى يوم السبت رابع عشر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثلثمائة. أنشد محمد بن هانئ فى ذلك أبياتا أولها: